المهددات في الضفة الغربية ترتفع يوما بعد يوم، على صعيد السياسات الإسرائيلية، وإذا كان التركيز ينصب على المواجهات العسكرية فقط، فإن ما يحدث أخطر بكثير مما يظن البعض.
قبل أيام فقط أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إلغاء سريان قانون “فك الارتباط” في المستوطنات، التي تم إخلاؤها في شمالي الضفة الغربية، وسيسمح إلغاء قانون “فك الارتباط” شمالي الضفة بعودة الإسرائيليين إلى 4 مستوطنات تم تفكيكها، هي “غانيم” و”كاديم” و”حوميش” و”سانور، وهذه المستوطنات كانت قد أخليت عام 2005 بعد تنفيذ الحكومة الإسرائيلية خطة “فك الارتباط الأحادية”، وفي آذار 2023 تم في الكنيست إقرار قانون إلغاء فك الارتباط، ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي هذا القرار بكونه خطوة تاريخية.
تعزيز الاستيطان ليس غريبا، ولا بد ان يقال هنا ان الاستيطان تضاعف 4 مرات منذ اتفاقية اوسلو، حيث كانت تشير الإحصائيات في عام 1992 إلى وجود 172 مستوطنة يقطنها 248 ألف مستوطن، لتصل إلى 444 مستوطنة وبؤرة استيطانية يقطنها 950 ألف مستوطن في عام 2023، وهذا يعني ان عملية السلام افادت إسرائيل أولا بشكل قاطع.
ما نراه اليوم في الضفة الغربية يشتد خطره، حيث جميع مسؤولي الاحتلال يقولون إن لا دولة فلسطينية، ولا مفاوضات مع الفلسطينيين، كما انهم جميعا دفنوا اتفاقية أوسلو بشكل علني وواضح من خلال الفصل بين جناحي الدولة، غزة والضفة، وتدمير بنية غزة، والاستعداد لتنفيذ سيناريوهات خطيرة في الضفة، اضافة إلى حالة تجفيف المال في الضفة من خلال منع تدفق الأموال للسلطة، ومنع العمالة الفلسطينية من العمل، حيث تمر الضفة اليوم باسوأ أوضاع اقتصادية تدفع أهلها لبيع سياراتهم وعقاراتهم لسداد التزامات البنوك التي تورطوا بأقساطها، بعد نشأة السلطة وتوفر الوظائف وعروض البنوك وتسهيلاتها، ومع هذا مواجهات عسكرية يومية، خصوصا، في مناطق مخيمات الضفة الغربية وما حولها.
الأمر ذاته يمتد إلى الوضع الاجتماعي في الضفة الغربية، حيث ضغط السلطة من جهة وضغط إسرائيل معا، والسلطة تقول انها تمنع أي انفلات أمني ليس خدمة لإسرائيل بل لمنع إسرائيل من التذرع بأي مواجهات في الضفة الغربية، لاحتلال الضفة مجددا، أو اقتحامها وتدميرها كما غزة، والكلام هنا قابل للنقاش، والقبول والرفض، لكن في كل الأحوال ما لم يقله كثيرون ان السلطة أحد أسباب الاستعصاء في الملف الفلسطيني، حين ينعدم المشروع الفلسطيني كليا، اليوم في الضفة الغربية، وحين تتورط السلطة فقط بدور وظيفي قد لا يبقى بعد قليل أمام التصريحات العلنية للإسرائيليين ضد السلطة، وضد عودتها حتى إلى غزة، بما يعني أن السلطة ذاتها مهددة بوجودها من خلال الإنهاء أو الاستبدال أو الإضعاف.
كانت المخاوف دائما تنحصر في بعض أوجهها منذ بدء الحرب الحالية، حول التهجير، وتصنيع الظروف الطاردة للفلسطينيين، لكن الأخطر إضافة إلى ما يجري في القدس والمسجد الأقصى، ان تلجأ إسرائيل إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية بشكل كامل في الضفة نسخا لسيناريو غزة، من حيث تصنيع الفراغ، وتحويل الناس إلى مجاميع سكنية لا تجد من يدير شؤونها، ولا يدفع رواتبها، تمهيدا لسيناريو إعادة ضم الضفة الغربية بشكل دائم، وهذا سيناريو محتمل، بناء على مؤشرات كثيرة، خصوصا، في ظل الظروف الجارية.
ما يراد قوله هنا باختصار، ان الأنظار تتجه فقط إلى غزة، فيما السيناريو الاسوأ تطل مؤشراته في الضفة الغربية والقدس، بما يعنيه ذلك من كلف على كل الأطراف ذات الصلة، ولا نعرف متى ستصحو الأعين الغافية عن الضفة الغربية، ومؤشراتها المتزايدة.
يبقى السؤال.. ماذا تنتظر الرئاسة في الضفة الغربية أمام كل هذه التداعيات؟