لا إنجازات تراكمية .. في تجربتنا النيابية
عوض ضيف الله الملاحمه
كافة الدول في العالم ، لا بل كافة انواع الحضارات التي مرت على البشرية منذ بدء الخليقة تبني إنجازاتها بشكل تراكمي . والتراكم الحضاري هنا دليل على التطور من مرحلة الى أخرى ، ومع مرور الزمن تتكاثر الإنجازات وتتزايد وتتعمق ويزدهر الوطن ، ولا يعود القهقرا . لأن ما يُبنى ويُنجز يتم تثبيته وتجاوزه الى مراحل اكثر تطوراً وإنجازاً .
لكن ما ينطبق على كل الحضارات ، وكافة دول العالم ، لا — نعم لا — ينطبق على وطني الحبيب أبداً . مع كل الأسف ، والألم ، والخيبة . فالوضع في الأردن الحبيب ، مختلف تماماً . حيث لا نعمل على تراكم الإنجازات ليتطور بلدنا . ففي كل مرحلة تمر علينا لا نلتفت لها ولا نقيّم ما أنجِز فيها ونبني عليه . وهذه حقيقة مطلقة ، وليس تجنٍ او نكران ، أبداً .
واليكم الدليل القاطع على ذلك : منذ نشأة الدولة الأردنية وحتى تاريخة الذي زاد على ال ( ١٠٠ ) عام ، ودخلنا المئوية الثانية ، اي اصبح عمر التجربة النيابية حوالي ال ( ١٠٠ ) عام ، متجاوزاً وقف الانتخابات النيابية اوتجميدها ، او تأجيلها . وفشلنا في إستثمار هذه السنوات الطويلة من التجربة الديموقراطية النيابية لنبني عليها ، ونعظِّم الإيجابيات ، ونطور ونغير السلبيات حتى في النهاية نصل الى قانون إنتخاب — يخصنا ويناسبنا — ونبني عليه مع مرور الزمن ونضوج التجربة .
لكن هذا لم يحصل مع الأسف . ولإيضاح المقصود سأتجاوز عمر الدولة الأردنية ، وأورد مثالاً حياً قريباً عشته انا وغالبية القراء الكرام . حيث عشنا التجربة الناجحة لإنتخابات عامي ١٩٨٩ ، و ١٩٩٣ ، ومنها ننطلق .
بعد عودة الحياة الديموقراطية عام ١٩٨٩ ، والانتخابات التي تلتها عام ١٩٩٣ ، كان قانون الإنتخاب — ليس مثالياً — لكنه كان قانوناً يليق بالأردن والأردنيين ، والدليل انه أنتج مجلسين يشار لهما بالبنان ، من ناحيتي : نوعية النواب والمواصفات الشخصية للنائب ، وهم المنتج النهائي لكل انتخابات ، والأهم أداء المجلسين في الرقابة والتشريع .
وعليه ، وبعد مرور ثلاثة عقود من الزمن ، يفترض اننا وصلنا الى أرقى قانون إنتخاب في تاريخ وطننا حتى هذه اللحظة . كما يفترض اننا عندما نقارن قوانين الانتخاب السابقة ، وشخصيات النواب التي افرزتها ، والأهم يفترض انه عند مقارنة أداء المجالس السابقة ، مع مجلس النواب عام ١٩٨٩ ، نرى ان هناك فارقاً كبيراً بين نوعية نواب عام ١٩٨٩ ، والنواب الذين تلوهم بعد ذلك . لكن في الواقع ان العكس قد حدث . حيث اننا ننظر لنواب عام ١٩٨٩ بكل احترام وتقدير وتبجيل ، وما زلنا نتباهى بهم وبمواقفهم وإنجازاتهم . بينما نواب اليوم أتصفت فترتهم إما بتهميشهم او بتجاهلهم او بتمريرهم كل ما يعرض عليهم ، دون الإلتفات او الإهتمام بمصلحة الوطن والمواطن .
هذا بالاضافة الى مثالب اخرى تدل على تراجعنا ، مثل : إنتشار المال الأسود ، او المال السياسي ، او المال الذي يهدر كرامة الأردنيين . فالصوت أصبح له ثمن ، على حساب كرامة الأردن والأردنيين . كذلك الإختلاف النوعي الذي يتمثل بإحجام أصحاب الفكر ، والرأي ، والنزاهة ، والشخصيات الكاريزمية عن الترشح ، وفي المقابل إقدام او هرولة الأثرياء متواضعي القدرات والخبرات للحصول على مقعد نيابي .
بدأ الأردنيون العيش في حالة نوستالجيا ( Nostalgia for the past ) اي الحنين الى الماضي لأنه أزهى وأبهى . كما حنيننا الى دستور عام ١٩٥٢ . والمؤلم يُختصر بجملة واحدة وحيدة :— لماذا تُهدر ثلاثة عقود من عمر الوطن ونتراجع بدل ان نتقدم ونتطور ؟ والله ان وطننا ومواطننا ( كايفين ، وعجبانين ) ، ويستحقون الأفضل ، والأرقى ، والأبهج ، ولكن لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
وأختم وأقول :— من الذي يمنح ، او يمنع تغول الحكومات على مجالس النواب في العقدين الماضيين ؟