الاقتصاد والطبقة الوسطى
بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ السياسات العامة المشارك
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
في قراءة نوعية قيِّمة حول الطبقة الوسطى وتأثيرها العالمي، قدَّم الدكتور هومي خاراس، زميل رئيسي في مركز التنمية المستدامة، بروكينجز، في الولايات المتحدة، دراسة نوعية ضمن كتابه الأخير “ظهور الطبقة الوسطى عالمياً: كيف يمكن للبحث عن حياة جيدة أن يغيِّر العالم؟”، The Rise of the Global Middle Class, How the search for the Good Life Can Change the World”.
وقد ناقشت ندوة ضمت ثُلّة من الخبراء والمختصين والأكاديميين من الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، وجمعية الشرق الأوسط للاقتصادمخرجات الكتاب. ولعلَّ ما يميِّز مخرجات الكتاب والندوة، النقاش الموضوعي للفرص والتحديات التي سيواجهها العالم بتنامي الطبقة الوسطى، التي لم تكن تتجاوز 1.1 مليار منذ مئتي عام، وستلامس 5 مليارات نسمة مع حلول عام 2030، لتكون الطبقة الأكثر سيطرة على التركيبة السكانية العالمية.
يتناول الكتاب مفهوم الطبقة الوسطى وتعريفها بالمنهجية المطلقة والنسبية، كما يتناول تطوُّر ظهور تلك الطبقة على مرِّ العصور، وخاصة منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم. ويضع الكتاب في النهاية أجندة عمل للوصول إلى حياة أفضل لتلك الطبقة الوسطى العالمية، لضمان العيش الكريم لأكبر الفئات السكانية تأثيراً في السياسة والاقتصاد والمجتمع والبيئة. ولعلَّ من المفيد القول بأنَّ سياسات الدول حول سعادة المجتمع، أو جودة الحياة، أو رفاهية العيش، جميعها مؤشرات باتت مهمة في تحديد مستوى تحقيق الحكومات لأهدافها، وإنجازاتها، بل والمبرّر من وجودها.
وقد شرعت العديد من الجهات حول العالم، وخاصة الدول ذات الأقطاب الحزبية المتنافِسة على السلطة، على متابعة تلك المؤشرات وغيرها، لتحديد وقياس مستوى إنجاز الحكومات لأهدافها في مجال جودة الحياة، من جهة، ولقياس مستوى السعادة الفردية والمجتمعية، ومستوى الرضا العام في المجتمعات، من جهة أخرى. وفي جميع الحالات، يمكن القول: إنَّ مَن يحدد تلك النتائج، ويؤثِّر في مؤشراتها، هم الطبقة الوسطى من المجتمع، التي بالرغم من تسطُّح فئاتها، حيث بات الجزء الأكبر منها في كثير من الدول أقرب إلى مستويات الفئات الفقيرة منه إلى مستويات الطبقة الغنية، فإنها الفئة الأكثر تأثراً وتأثيراً في صناعة القرار والسياسات. وختاماً يشير الدكتور هومي في كتابه المميَّز إلى مجموعة من المعطيات التي أساسها تفاؤلي، ومن المهم أن نتفق معه بأنَّ سياسات الحياة الأفضل في مجالات البيئة، والأعمال، والتعليم، وحتى الأسواق المالية، لن تتحقَّق دون أن يتمَّ التركيز على جودة الحياة في الطبقة الوسطى في جميع تلك المجالات.
وعليه، فإنَّ قطاف ثمار تحسين التعليم، والبيئة النظيفة، وتحقيق العوائد المجزية، وتنشيط أسواق المال تتحقَّق مؤشراتها حينما تنعكس على الحياة اليومية لمتوسطي الدخل، وحينما تصعد الطبقات الأدني إلى هذه الطبقة، وليس عندما تتراجع الطبقة الوسطى، أو تنحدر نحو الطبقات الأدنى منها.