عندما يكون الرؤساء .. عُملاء

عوض ضيف الله الملاحمه

أعظم إبتلاءٍ تُبتلى به الأوطان عندما يكون الرؤساء عُملاء . أي إبتلاءٍ هذا !؟ في هذا يكون دمار الأوطان . وهو أعظم وأخطر من ان يسود الفساد بين العباد . وأعظم من سوء إدارة الأوطان . وأفدح ضرراً من سوء إختيار الحكومات ورجالات الإدارة العامة . لهذا كل شيء يهون عن خيانة الرؤساء لأوطانهم .

عمالة الرؤساء تهوي بالأوطان الى الدرك الأسفل ، ويستعصي ، لا بل يستحيل معها الإصلاح ، ويغيب الإزدهار ، ويعم الدمار . عمالة الرؤساء تؤدي لإنتشار العمالة بين المسؤولين وحتى المواطنين . عندها لا تكون العمالة او الخيانة مُستغربة ، او فعلاً مُنفِّراً ، كما لا يكون العميل منبوذاً . على العكس فقد يُجاهَر بالعمالة عندما يكون الرؤساء عملاء . وتصبح من المناقب المستحبة مجتمعياً ، بإستثناء الأحرار من شعوب تلك البلدان . لا بل ربما تصل الأمور الى ان يُستحب التعامل مع العميل ، والتقرب منه .

خيانة الرؤساء لأوطانهم بعمالتهم للغير كارثة كبرى ، والأكثر كارثية عندما تكون العمالة للأعداء . فهذه مصيبة كأداء ليس منها براء ولا شفاء .

لتجسيد مخاطر العملاء ، سواء كانوا رؤساء او غيرهم ، وحتى لا يبقَ الكلام مُرسلاً ، أرى انه من الضروري ان أذكر بعض أشهر العملاء في التاريخ الإنساني عامة ، ومدى الضرر الذي نتج عن تلك العمالة :—
١ )) ابو رغال :— شخصية عربية توصف بأنها رمزاً للخيانة . حتى ان كل خائن عربي يُنعت بأبي رغال . لأنه كان الدليل العربي لجيش أبرهة الأشرم . حيث لم يكن الأحباش يعرفون موقع الكعبة . وكلما اتفقوا مع دليل من العرب ليدلهم على طريق الكعبة يرفض مهما عرضوا عليه من مال . ولم يقبل بهذا العمل الرديء سوى أبي رغال . فكان جزاؤه من جنس عمله . حيث يُنعت كل خائن عربي بأبي رغال . وكان للعرب قبل الاسلام شعيرة تتمثل في رجم قبر ابي رغال بعد الحج .
٢ )) إبن العلقمي :— إسمه : أبو طالب محمد بن أحمد بن علي مؤيد الدين الأسدي البغدادي الرافضي المعروف بإبن العلقمي ( ١١٩٧ — ١٢٥٨ م ) . إسمه إرتبط بجريمة من أفظع الجرائم وهي سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية في أيدي التتار .
٣ )) مراد بك :— كان عميلاً للإنجليز والفرنسيين . تولى حكم مصر بالإشتراك مع ابراهيم بك قبل مجيء الحملة الفرنسية . كان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الإقدام مع عدم الشجاعة ، وكان من أعظم الأسباب في خراب الأقاليم المصرية .
٤ )) خيانة الظاهر بيبرس ل سيف الدين قطز
سلطان المماليك ، وقتله بعد معركة عين جالوت . وتعتبر من أشهر خيانة الأصدقاء في التاريخ الإسلامي.
٥ )) مير جعفر :— هو عربي الميلاد ، ( ١٦٩١ — ١٧٦٥ م) ، وصل الهند كمغامر ، ودخل في السياسة الى جانب زوج والدته الجنرال / علي فاردي خان ، وقام بمساعدته لتنفيذ مؤامرة استولوا فيها على البنغال ، وحرروها من السيطرة المغولية . ثم قام بعملية ( تقاطع مزدوج ) وخيانة حفيد وخليفة علي فاردي ، وقام بمساعدة البريطانيين للسيطرة على البنغال ، حيث قاموا بتنصيبه حاكماً لها .
٦ )) هارولد كول :— كان أحد الضباط الإنجليز الذين خدموا خلال الحرب العالمية الثانية ، في كل من الجيش البريطاني والمقاومة الفرنسية . لكنه خان الجهتين عن طريق العمل لصالح الألمان .

أما عن خيانات العرب سواء في التاريخ القديم او الحديث ، فإنني بقدر ما أفتخر بعروبتي ، أكون خجِلاً من خيانات بعض العرب ، خاصة الفاقعة منها .

عمالة الرؤساء تتسبب بإنهيار الأوطان . لأن الوطن يكون مكشوفاً ، لا بل عارياً أمام الأعداء . حيث يَعرِف العدو أدق الأسرار وأخطرها . لا بل والأخطر من ذلك ان العملاء يُشرِّعون القوانين وفق توجيهات العدو وأوامره . بعمالة الرؤساء لن يكون هناك داعٍ للتحوط او الحذر من الأعداء ، ولا داعٍ ليقظة الأجهزة الأمنية ، ولا داعٍ لأجهزة المخابرات والإستخبارات ، والجيوش ، لأن الوطن يكون مكشوفاً أمام العدو . كما انه لا داعٍ للمناورات ، ولا التدريبات ، ولا الدوريات . كما لا يكون هناك داعٍ لتجنيد المخبرين والمتعاونين والعملاء في الداخل والخارج .

قد يرتكب الإنسان الكثير من المعاصي ، وحتى الكبائر ، ويمكنه التطهر منها ، ولعل أفظعها الشرك ب الله – والعياذ ب الله – يمكن التطهر منه ، وقد يغفر الله لعباده . لكن العمالة ، وخيانة الأوطان لا يمكن التطهر منها لأسباب عديدة منها : لأن ضررها أفدح لأنه يطال الملايين من أبناء تلك الأوطان . كما ان العمالة يندرج ضمنها خيانة الأمانة . يضاف الى ذلك ان أضرار العمالة لا تنتهي بإنتهاء العميل ، ولا تقف عند حدود الإضرار بالوطن ، بل قد ينتج عنها فقدان الكثيرين لأرواحهم ، عندها كيف يمكن تعويض تلك الأرواح التي أُزهِقت ؟

وهذا يذكرني بالشهيد الحي البطل / صدام حسين المجيد ( ابو عداي ) عندما فاوضه وزير الدفاع الأمريكي / دونالد رامسفيلد ، وعرض عليه شيكاً مفتوحاً بمليارات الدولارات ، وان يغادر العراق الى اي بلدٍ يشاء ، وتحديداً الى روسيا ، حيث عرض الرئيس الروسي / فلاديمير بوتين ( ابو علي ) إستضافته ، كما عرض عليه الشيخ زايد آل نهيان عليه رحمة الله الإقامة في الإمارات .
عندها قال الشهيد الحي ابو عداي لي شروط لقبول عرضكم اذا تحققت تلك الشروط ، تهلل وجه رامسفيلد المجرم ، وإستبشر خيراً ، وتفاءل متوقعاً انه مادام هناك تفاوض ، فانه من البديهي التوصل لاتفاق . وسرد الشهيد الحي ابو عداي شروطه ، سأذكر منها شرطاً واحداً : ان تتم إعادة كل الشهداء العراقيين الى الحياة . فاكفهر وجه رامسفيلد وأدرك صلابة موقف الشهيد صدام عليه رحمة الله .

لاحظوا ان كل خيانة ينتج عنها دمار كبير للأوطان قد يصل الى الإحتلال او الإستعمار .. وغيرها . العمالة عمل بشع ، قذر ، رخيص ، وغير إنساني ، لا بل إجرامي . ولا يقدِم عليها الا من تجرد من كافة القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى