تصريحات بايدن المحسوبة “جيداً”

 

د.أحمد رفيق عوض

رئيس مركز الدراسات المستقبلية/جامعة القدس

التصريحات غير المسبوقة التي اطلقها الرئيس الامريكي جو بايدن في حفل كبير لمتبرعي يهود امريكيين يدعمون حملته،  كانت تصريحات محسوبة و دقيقة، و قيلت في الزمان و المكان المناسبين، يعني ان بايدن قال ما قال امام جمهور مؤيد و موافق، و هذا يشير الى ان هذه التصريحات كانت متوقعة و ربما تم التفاهم حولها قبل التصريح بها، فالرئيس بايدن صهيوني حتى النخاع و لم يتخل عن امن اسرائيل كدولة و كجمهور، و كرر مقولته الشهيرة انه لو لم تكن هناك اسرائيل لتم اختراعها، اذن، هو يقول ذلك امام داعميه و المتبرعين لحملته في الانتخابات القادمة، و رغم ذلك لم يتردد و لم يتلعثم و لم يتراجع عن اقواله حتى الان، و هذا يشير ضمن امور اخرى الى ان جماعات الضغط الصهيوني و اليهودي في امريكا ترى ان على اسرائيل ان تغير قيادتها الحالية، و ترى ان التطرف الحاخامي و التوراتي المتحكم في قرار اسرائيل السياسي و الديني و الاقتصادي و الامني يضر بمستقبل اسرائيل ذاتها، فالتأييد الجارف للسردية الفلسطينية و التحولات العميقة في الوعي الغربي و الانقسامات العميقة في المجتمعات الامريكية  و الاوروبية و التحركات العربية على المستوى الانظمة و الشعوب، كل ذلك يضع اسرائيل و سياساتها و امنها و مستقبلها على المحك، و لهذا، فان اللوبي الصهيوني و اليهودي  لم ينجح و لم يغضب و لم يشجب  ما قاله بايدن الذي لا يمكن المزايدة عليه او اتهامه بمعاداة السامية او نقد الصهيونية، الى اخر تلك الاتهامات الجاهزة.

اكثر من ذلك، يبدو ان هذه اللوبيات المتعددة اختارت ان تحني رأسها امام العاصفة العالمية، و ذلك بعد الفظائع التي ارتكبتها حكومة نتنياهو بكل مركباتها الشوفينية، و ذلك لم يكن من الصدفة ان يشير بايدن الى ان حكومة اسرائيل الحالية هي الاكثر يمينية في تاريخ اسرائيل، و كأنه  يقول ان مثل هذه الحكومة هي خطر على مستقبل اسرائيل.

و يبدو ان كلام بايدن الذي قيل امام متبرعي يهود كان ذروة نقاشات و جدالات سرية و علنية بين الادارة  الامريكية و حكومة اسرائيل، ظهر خلالها  استخفاف اسرائيل بنصائح  او أوامر امريكية بعدم المس الخطير باالمدنيين الفلسطينيين و عدم الطرد البري اصلاً و استمرار ضخ المساعدات الاغاثية، و لكن حكام اسرائيل تجاوزوا كل ذلك و اظهروا انهم قادرين على تجاوز الرؤية و الرأي الامريكي، و هذا لا ينفي ان الولايات المتحدة الامريكية هي التي خططت للحرب و اشرفت عليها و مولتها و دعمتها و غطتها و بررتها و تبنت كل اراء حكومة اسرائيل التي بدت و كأنها استهتار و استخفاف بكل عقلاء العالم ، بالعكس من ذلك، فغضب امريكا كان اكبر اذ ان شريكتها اسرائيل و رغم كل ما قدمته امريكا و تقدمه، ظهرت و كأنها هي  التي تقرر و تنتقي من نصائح امريكا و اوامرها ما تريد و كيف تريد.

و يبدو ان صبر الولايات المتحدة الامريكية نفذ فعلا، ليس غضباً من سلوك اسرائيل الامني في قطاع غزة، و ليس استنكاراً للفظائع، و ليس وقفاً للحرب التي اشرفت هي عليها اصلاً صبر الولايات المتحدة نفذ لان اسرائيل فشلت في الميدان و في تحقيق اهدافها، و لان الدعم الدولي تاكل بشكل كبير، و لانها ترفض النصائح.. و هل هذا كلام مقنع ؟!

برأيي ان هذا كلام لا علاقة له بالواقع اصلاً، برأيي ان اللوبي الصهيوني و اليهودي يريد تغييراً في اسرائيل .. لان حكومة نتنياهو الحالية جرت اسرائيل الى حروب مدمرة، الاولى هي التعديلات القضائية التي اوشكت على اندلاع حرب اهلية، و الثانية حرب ضد كامل الشعب الفلسطيني مستغلة احداث السابع من شهر اكتوبر و التفويض الاطلسي لما يسمى بحق الدفاع عن النفس الذي لا يعرف مداه ولا عنقه ولا حجمه ولا سقفه، هذه الحرب التي تهدف ضمن امور اخرى الى تصفية القضية الفلسطينية و تفكيك السلطة الفلسطينية و البدء من جديد و كأن كل السنوات التي مضت لم تعلم قادة اسرائيل شيئاً اذ ان قيام دولة فلسطينية تقودها السلطة الوطنية الفلسطينية “قديمة” او “المحدثة” هو شرط لامن اسرائيل و استقرارها كما ترى اطراف عديدة في امريكا و اوروبا، و ان هدم الدولة و السلطة انما هو وصفة لانفجار الاوضاع ليس في المنطقة و حسب و انما في اماكن كثيرة.

لهذا، فان اللوبي الصهيوني و اليهودي في امريكا استمع الى بايدن و تصريحاته دون احتجاج او مشاغبة، اما بايدن من جهته، فانه وجد الفرصة سانحة ليطيح بنتنياهو لاغلاق حسابات سابقة معه، و ليتخلص من رجل اصبخ عبئاً “أخلاقياً”و سياسياً  و أمنياً.

بايدن اراد من ذلك ان يتراجع خطوة للوراء في دعمه اللامحدود لحكومة نتنياهو ليربح شارعاً بدأ بالانفضاض عنه و ليعيد شيئاً من شعبيته امام حزبه و امام منافسيه  الجمهوريين.

بايدن وجد ان نتنياهو يتلاعب به و يستخدمه من اجل البقاء في منصبه حتى لا يحاكم، ولا يتورع نتنياهو عن اظهار رئيس الولايات المتحدة الامريكية باعتباره رجلاً عجزواً قابلاً للاقناع رغم كل الخلافات في المواقف، و هي صورة غير لطيفة لرئيس اكبر امبراطورية على الكوكب.

هل انتهى عمر نتنياهو السياسي ؟! من الواضح ان الجواب بالايجاب.

اخيراً، من الغريب ان احداً لم يتهم بايدن بالتدخل في السياسات الداخلية لدولة اخرى، و لم يتهمه أحد بمحاولة التأثير على الرأي العام لاسرائيل، و من الغريب ان يصرح بايدن بما صرح به و كأنه يتحدث عن ازمة داخلية امريكية.

و الجواب برأيي ان هذه التصريحات محسوبة”جيداً”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى