الدكتور محمد الهواوشة يكتب: الترويج للسياحة في الأردن: نحو استراتيجيات فعّالة ومستدامة

الدكتور محمد الهواوشة

الأردن، بفضل موقعه الجغرافي الفريد وتاريخه العريق، يُعد وجهة سياحية لا مثيل لها، إذ يزخر بمواقع أثرية مذهلة مثل البتراء، واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، ووادي رم، الذي يلقب بـ “وادي القمر”، فضلًا عن البحر الميت، أدنى نقطة على سطح الأرض. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه قطاع السياحة في الأردن تستدعي استراتيجيات مبتكرة وفعّالة لضمان استدامته وزيادة قدرته التنافسية عالميًا.

1. تحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات السياحية

الخطوة الأولى لجذب السياح تتمثل في ضمان أن تكون تجربة الزائر مريحة وسلسة. ينبغي العمل على تحسين البنية التحتية السياحية من خلال:

تطوير وسائل النقل داخل المملكة لتسهيل الوصول إلى المناطق السياحية، مثل إنشاء قطارات أو حافلات مريحة تربط عمان بالبتراء ووادي رم والبحر الميت.

تعزيز جودة المرافق في المواقع السياحية، مثل توفير خدمات التدفئة في المناطق الباردة، خاصة في الجنوب خلال فصل الشتاء.

تقديم خدمات إلكترونية متطورة، مثل تطبيقات مخصصة للزوار تتضمن خرائط، معلومات عن المواقع، وتفاصيل الأنشطة المتاحة.

2. الترويج الرقمي واستخدام وسائل الإعلام الحديثة

في عصر التكنولوجيا، أصبح الترويج الرقمي عنصرًا أساسيًا لجذب السياح. يمكن للأردن الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي عبر:

إطلاق حملات تسويقية عالمية تعرض جمال المواقع السياحية الأردنية وتستهدف أسواقًا جديدة مثل آسيا وأمريكا اللاتينية.

التعاون مع المؤثرين العالميين وصنّاع المحتوى لزيارة الأردن ومشاركة تجاربهم عبر الإنترنت.

إنتاج أفلام وثائقية أو مقاطع فيديو قصيرة بجودة عالية تسلط الضوء على تجارب فريدة، مثل التخييم تحت سماء وادي رم أو الاستمتاع بالعلاج الطبيعي في البحر الميت.

3. تعزيز الطيران والربط الدولي

لا يمكن التحدث عن الترويج للسياحة دون التطرق إلى الطيران. يجب أن توازن الأردن بين دعم الناقل الوطني “الملكية الأردنية” والاستفادة من شركات الطيران منخفضة التكاليف مثل Ryanair وWizz Air لجذب شريحة أوسع من السياح الأوروبيين. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

تقديم حزم سفر متكاملة تجمع بين تذاكر الطيران والإقامة بأسعار تنافسية.

فتح خطوط جديدة تربط الأردن بالمدن العالمية الرئيسية، مع تقديم عروض تشجيعية لجذب المزيد من الزوار.

4. الترويج للمواسم السياحية المختلفة

بينما تشهد السياحة في الأردن ذروتها بين منتصف مارس وأكتوبر، يمكن تعزيز السياحة في المواسم الأخرى، مثل الشتاء، من خلال:

الترويج لفعاليات شتوية مميزة، مثل مهرجانات صحراوية في وادي رم أو رحلات علاجية في البحر الميت.

تسليط الضوء على تجربة التخييم الشتوي تحت السماء الصافية في الجنوب، مع توفير تجهيزات خاصة للتدفئة والراحة.

5. الشراكات الدولية والتعاون مع الشركات السياحية

الترويج للسياحة لا يمكن أن يتم بمعزل عن العالم. يجب أن تسعى الأردن إلى بناء شراكات مع وكالات السفر العالمية ومنصات الحجز الشهيرة عبر:

توفير حوافز خاصة للوكالات التي تروّج لبرامج سياحية للأردن.

استضافة معارض وفعاليات دولية للترويج للسياحة الأردنية في الأسواق العالمية.

6. التركيز على السياحة المستدامة

لا يمكن إغفال أهمية السياحة المستدامة في جذب فئات جديدة من الزوار الذين يبحثون عن تجارب صديقة للبيئة. يجب على الأردن:

حماية المواقع السياحية الطبيعية والتراثية من التأثيرات السلبية الناجمة عن الازدحام.

تشجيع السياحة البيئية، مثل رحلات التنزه في المحميات الطبيعية، واستخدام الطاقة النظيفة في المرافق السياحية.

7. تسليط الضوء على الموروث الثقافي والتجارب المحلية

السياحة ليست فقط مواقع تاريخية بل أيضًا تجارب إنسانية. يمكن للأردن جذب السياح عبر:

تنظيم فعاليات تُبرز الثقافة الأردنية مثل المهرجانات الشعبية، عروض الدبكة، وتجربة الأطباق التقليدية.

تشجيع السياح على التفاعل مع المجتمعات المحلية، مثل الإقامة في المنازل الريفية وتجربة الحياة اليومية للسكان.

8. تحسين السياسات وتقديم الحوافز

أخيرًا، يجب على الحكومة الأردنية دعم القطاع السياحي من خلال:

تقديم إعفاءات ضريبية للمستثمرين في مجال السياحة.

تخفيض رسوم الدخول للمواقع السياحية للزوار الأجانب لتشجيعهم على استكشاف المزيد من المواقع.

تسهيل إجراءات التأشيرات للسياح من دول مستهدفة، بما في ذلك منح تأشيرات إلكترونية أو عند الوصول.

الخاتمة

الأردن يمتلك كنوزًا سياحية لا تقدر بثمن، ولكن الاستفادة منها بشكل كامل يتطلب رؤية استراتيجية تعتمد على الإبداع والتطوير المستدام. بالاستثمار في البنية التحتية، وتسخير قوة التكنولوجيا، وتعزيز التعاون الدولي، يمكن للأردن أن يتحول إلى وجهة عالمية مفضلة للسياح من مختلف أنحاء العالم. السياحة ليست فقط مصدرًا للدخل، بل هي جسر للتواصل الثقافي والحضاري، وهذا ما يجب أن يبقى في صميم كل جهود الترويج.