عندما يستحيل الرثاء.. السنوار فارس أكتوبر.. حين يتحول الحزن إلى فخر

 

احمد ايهاب سلامة

لم يسجل التاريخ يومًا وفاة قائد في الصفوف الأولى، أؤكد مجددًا: لم يحدث ذلك أبدًا في صفحات التاريخ.

لقد قلتم إنه في الفنادق، ثم زعمتم أنه تحت الأنفاق، لكن اليوم، رفعت الستارة، واستشهد قائد ميداني في قلب المعركة، حاملاً سلاحه بشجاعة.

لقد كان السنوار قائدًا استثنائيًا، مثالاً يُحتذى به.. علمنا، انك أفرغت جعبتك وامتلأت منذ بداية الحرب، لا نعلم أن كان هو الاشتباك الأول أم لا؟ لكن حتمًا أنك كنت فوق الأرض تقاتل، في مواجهة أولئك الأوغاد الذين يروّجون الأكاذيب، نحن نعلم أنك أسير بمؤبدات، محرر بصفقة، مخطط عبور، مثير الطوفان، زعيم سياسي مشتبك، ومقبل على الشهادة بشرف، رافعًا رأسك وسلاحك فوق تراب الوطن.

لم تحققوا، أيها الأوغاد، هدفكم، بل هو من حقق برصاصكم مبتغاه.. هزمهم في السابع من أكتوبر وهزم روايتهم حين وجدوه يقاتل في الخطوط الأولى، يقود المعركة بنفسه. استشهد في مواجهة العدو الصهيوني، وليس في غرفة بفندق أو مختبئًا في نفق كما يروج المتصهينون العرب.

استشهد السنوار، فكانت تلك أمنيته، وسأل الله أن يرزقه إياها، هل الجهاد سينتهي باستشهاد القادة؟ أيها الاغبياء ما لا تدركونه ايها العدو الصهيوني الأحمق هو أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، لا تنطفئ جذوته باستشهاد قادته، بل تزداد قوة وصلابة وإرادة..وهناك ألف مثل السنوار؛ بل هناك في كل بيت فلسطيني سنوار متعطش للثأر لأهله.

لقد غادر السنوار، تاركًا أمامه وأمام التاريخ إرثًا من القوة والنصر، وأكبر هزيمة لحقت بالكيان الصهيوني. كان لهذا الرجل تاريخ طويل في إيلام الصهاينة، وقد كان قائدًا فذًا عظيمًا مغوارًا. كيف لا، وهو وُلِد في 29 أكتوبر وخرج من السجن في 18 أكتوبر، وبدأ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، واستشهد مشتبكًا في 17 أكتوبر، يا فارس أكتوبر، ويا مغوار الرجال، يا نجم أكتوبر الساطع، لن تغيب.

أنت هنا، ما زلت حيًا في قلوبنا، لقد كان السنوار رمزًا لنا، وسيظل كذلك،ربما صعدت روحك إلى السماء، لكنك ما زلت حاضرًا في عقول الشباب الذين يسعون للقصاص لذويهم، وفي قلوب المقاومين الذين يسيرون على خطاك، وفي عيون الأطفال الأبرياء الذين تعلموا منك أنهم سيصبحون جميعًا سنوار.

غبت، لكن مقاومتك ما زالت قائمة وصامدة.. غبت، ولكن عتادك وأسلحتك ورجالك وطوفان الأقصى ما زالوا قائمين.. صعدت روحك إلى السماء، لكن مشروع التحرير ينمو ويزدهر على منهجك ومبدئك وثراك.

في اليوم الذي استشهدت فيه، خرج ألف سنوار، وأصبح رجال مقاومتك عنوانهم مع النصر والثبات والعزيمة إصرارًا وسنوارًا.. لقد تركت في قلوبهم ذكريات الرجال، موتة شريفة طاهرة نقية، وأنت في آخر رمق تحارب وتُنكل بالاحتلال،لقد عرف العالم أنك كنت تواجه العدو الأحمق وأنت فوق الأرض، وليس كما كانوا يدعون.

يا أيها القائد الشهيد السنوار، نم قرير العين، فقد أنتجت جيلًا جديدًا عنوانه المضي على نهج السنوار.. يا سيدي، أنا لست أرثيك، ويستحيل أن يكون الرثاء بك خجلاً، لكن الرثاء يرثي نفسه بذاته فخرًا بك، وخجلًا منك.

أنا أرثي بل وأهجو أمة إسلامية عددها المليارين، تركتك وحيدًا رغم أنك كنت قد توجهتهم للنصر والثأر والدفاع عن المقدسات.

أحاول أن أجد وصفًا يليق بك، لكن البلاغة وكل كتب التاريخ وكل الكلمات تعجز عن وصفك.. تعجز أمام عظمة شخصيتك، فالكتابة، كل الكتابة، مهما بلغت رجاحة كاتبها، لا يمكن القول مهما بلغت فصاحة ناطقيها أن نبلغ مقامك العظيم شرفًا وفخرًا.

فأنت كنت ولا زلت الشوكة القاسية في حلق الاحتلال، التي تمضي مقاومتك وتسير نحو النصر والتحرير.

ستظل فينا يا سنوار هكذا أبد الدهر، نعالك فوقهم وفوق أعوانهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى