تخلّت السُلطة وخانت .. فبرّرت للعرب تخلِّيهم
عوض ضيف الله الملاحمه
أعقد قضية في تاريخ الإنسانية ، هي القضية الفلسطينية . إذ كيف يمكن للإنسان ان يستوعب ويفهم ان من إدّعو النضال — وهم جينياً أبناء القضية — وأسسوا عدداً كبيراً من المنظمات الفدائية في ستينيات القرن الماضي لهدف واحدٍ وحيد ، يتمثل في تحرير فلسطين السليبة . صالت تلك المنظمات ، وجالت ، وانتشرت ، وغطى تأييدها مساحة الوطن العربي ، وتمكنت ، لدرجة انها اصبحت هي الوحيدة صاحبة الحق المطلق في إصدار صكوك العروبة والنضال والخيانة فيما يخص القضية . وعاثت فساداً ، وإفساداً ، وتسلطاً في العديد من الأقطار العربية . وبدأ العرب رسمياً وشعبياً في التسابق على تقديم كافة انواع الدعم لتلك المنظمات الفدائية ، من منطلق إعتقادهم انها هي المجاهدة ، المناضلة ، المتربصة بالعدو . ومنهم من احترف إقامة المهرجانات ، والمسيرات ، والمظاهرات ، وجمع التبرعات ، والتباهي بالإنخراط في تلك الصفوف للنضال من أجل التحرير . ووصل التأييد لمنظمة التحرير الفلسطينية حَدّ التأليه . وإنضوت كل المنظمات تحت جناحها للضبط ، والربط ، والحزم في توجيه كل الطاقات والإمكانيات نحو التحرير . وكان السخاء العربي رسمياً وشعبياً قد تمثل في تقديم الدعم والتبرعات النقدية بشكلٍ منقطع النظير . وكانت بعض الأقطار العربية تخصم نسبة تصل الى ( ٧٪ ) من رواتب العاملين في القطاع العام تبرعاً للمنظمة . ومن تلك الدول دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث كنت أعمل فيها منذ منتصف السبعينات .
لكن ما يتبدى من السلطة الفلسطينية من خيانات للقضية يضع العقل في الكف .
وللأمانة ان هذه الخيانة لم تظهر فجأة ، بل كان لها ارهاصات واضحة وجليه للمتبع العقلاني ، تدل على الإنحراف عن الهدف ، وتكشف المستور الذي خفي على الغالبية العظمى . لكن في أحايين كثيرة لم يتجرأ الكثيرون على البوح بذلك ، لخطورته ، ولأنه يعتبر كما التجذيف ضد تيار عارمٍ جارف ، يسحق ولا يرحم . وأول بوح لي شخصياً ، وأول صِدام مكشوف وعلني ، وإعلاني عن تشككي في المسيرة ، وأن الإنحراف بادٍ ، كان في عام ١٩٧٨ ، عندما التقيت في جلسة حوارية مع المرحوم / ماجد ابو شرار ، المسؤول الإعلامي في المنظمة ، في ابوظبي ، حيث أفصح عن بدء منظمة التحرير الفلسطينية حوارات مع اليسار الإسرائيلي . عندها طلبت منه التوقف وتقديم التفاصيل والتوضيح اللازم ومبررات ذلك ، والجدوى منه ، وهل يتعارض مع نهج التحرير ؟ واعتبر ذلك هجوماً قاسياً مُربكاً ، عندها اعلن : ان هذا النهج تم إعتماده من الرئيس عرفات ، وانه شخصياً رفض ذلك بشكل قاطع ، وتم تهديده ، وكانت النتيجة ان تم إغتياله في روما عام ١٩٨١ .
وفي لقاء تلفزيوني للسيد / ربحي حلوم ، الذي كان نائباً لرئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير ، خلال انعقاد المؤتمر الثالث لحركة فتح عام ١٩٧٢ — وإنتشر هذا الفيديو خلال الايام الماضية — قال : ان ابا مازن قال في المؤتمر — مع انه كان مفوضاً مالياً لا شأن له بالشأن السياسي — قال : يا إخوان إفتحوا خطوطاً مع اي اسرائيلين ما تخافوا . إفتحوا خطوطاً ، وشاركه القول وأيده المرحوم / هاني الحسن . وإستوضح أحد الحضور واسمه / عزالدين القلق ، وقال : هل تقصد اليهود ؟ فرد ابا مازن وقال : إسرائليين ، على يهود ، على صهاينة ، ما تخافوا . وأكد ان هذا التوجه موجود لدى منظمة فتح منذ اواخر عام ١٩٧٢ . وهنا أضاف المذيع انه قرأ في كتاب ( The Good Spy ) الذي يتحدث عن ضابط المخابرات الامريكي / روبرت أيمز ، الذي كان همزة الوصل بين الحكومة الامريكية وحركة فتح ، وذكر المؤلف ان روبرت أيمز نقل رسالة عام ١٩٧٣ من عرفات الى الحكومة الأمريكية يقول فيها عرفات : [[ نحن الآن اقتنعنا بان اسرائيل وجدت لتبقى واننا لا نستطيع ان نوقف ذلك ، ونحن على استعداد ان نعترف باسرائيل اذا مكنتمونا من ان نُقيم دولة فلسطينية في الأردن ]]. وقد أيده بذلك السيد / ربحي حلوم . وعليه تكشّف ان همّ فتح ليس تحرير فلسطين بل إقامة دولة فلسطينية في الأردن .
وما يبعث على الخزي والعار والألم هذه الأيام مطاردة ومحاصرة الشرطة الفلسطينية للمناضل / ابو شجاع قائد كتيبة طولكرم داخل مستشفى في الضفة الغربية لإلقاء القبض عليه وتسليمه للعدو الصهيوني . والنتيجة انهم فشلوا في القاء القبض عليه . وعلى خلفية اجراءات شرطة السلطة للقبض بالإنابة على الأحرار الفلسطينيين في الداخل مما أدى لحدوث إشتباكات بين شرطة السلطة ومواطنين فلسطينيين ، كما أدى ذلك الى اندلاع مواجهات بين مسلحين فلسطينيين وشرطة السلطة .
تصوروا الى اي مدى وصلت تداعيات الأمور !؟ إستناداً الى ، وتنفيذاً ل ، والتزاماً بالتنسيق الأمني بين السلطة والعدو ضغط العدو على السلطة للقيام بواجباتها التي تنص عليها إتفاقية أوسلو والمتمثلة بالتنسيق الأمني ، لتتفرغ شرطة الإحتلال وجيشه للفتك بغزة .
وأختم وأقول ما لم يجرؤ على قوله أحد : بأن كل من له علاقة بإتفاق اوسلو والتنسيق الأمني مع العدو هو خائن لأقدس وأعدل قضية في تاريخ الإنسانية . وعليه كيف لنا ان نلوم بعض الأقطار العربية بذهابها بعيداً عن القضية والتطبيع مع العدو ؟ فلسطين الحبيبة : أنتِ لستِ وحيدة ، لديكِ وعدٌ إلهي عظيم ، ومناضلين فلسطينيين لم يتلوثوا ، وقوافل الشهداء في غزة والضفة أروع مثال . وقريباً سيذهب الخونة الى مزبلة التاريخ .
تحرير الأرض ، وتحرر الإنسان الفلسطيني آتٍ لا محالة . وسيتحرر الإنسان الفلسطيني الشريف المجاهد المرابط القابض على الجمر . تصوروا خائن فلسطيني يقبض على مناضل حرّ شريف من بني جلدته ويسلمه للعدو الذي سلب ، ونهب ، واعتدى ، وقتل ، ودمر !؟ كيف يمكن توصيف ذلك !؟ ولا حول ولا قوة الا بالله .