ندوة في جامعة اليرموك بعنوان “عرار في ذكراه الماسية”
ضمن جلسات مؤتمر النقد الدولي التاسع عشر الذي ينظمه قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة اليرموك عقدت في اليوم الثاني من المؤتمر ندوة كان عنوانها “عرار في ذكراه الماسية” برئاسة الأستاذالدكتور وائل التل، وقد افتتح رئيس الجلسة التل الندوة بالقول “خمسة وسبعون عاما مرّت على رحيل مصطفى وهبي التل (عرار) ولم ينسهُ أحد، وهو حي ّفي وجدان وضمير كل الأردنيين الشرفاء، ولم يغب عن عقل الأدباء وشغفهم، وكتابات المتخصصين وبحثهم، وأضاف: أتعبنا عرار، فكلّما أمعنا في شخصيته وحياته تعبنا، وكلما نظرنا في أوراقه ووثائقه وآثاره ومسوّدات أعماله وهوامش أوراقه ونصوصه الأدبية ومقالاته الفكرية والسياسية تَعبنا، فهي كلها مستغرِقَة في معانيها ودلالاتها، وكلها ذات أهمية كبيرة موضوعيًا وفنيا في مرحلتها التاريخية، تجعلنا نشعر رغم مئات البحوث والدراسات والكتب والمقالات أننا مازلنا في مرحلة التنقيب.
وكانت الورقة الأولى للأستاذ الدكتور يوسف بكار وهي بعنوان “عمر الخيام بين العقاد ومصطفى وهبي التل” وكانت في هذه الورقة وقفاتٌ مهمة في أدب وشعر عرار، وهي وقفات جاءت في معظمها استخلاصات لرؤية جديدة حول شعر عرار في محاولة جادة لإعادة دراسة وتحليل شعره وفق هذه الرؤية، كما بيّنت هذه الورقة أوجه العبقرية لدى كل من عمر الخيام والعقاد وعرار، وفلسفة كل منهم للوجود، كما جاءت الورقة بالأدلة التي تُنصف كل منهم مما وقع عليه من ظلم في حياته أو بعد مماته، وبيان وجهة نظر الباحث في دائرة الجدل والغموض والإبهام التي أحيطت بكل منهم.
وفي الورقة الثاني المعنونة “شركسيات عرار شعرًا ونثرًا” بيّن الأستاذ الدكتور أحمد شركس علاقة عرارالخاصة بالشركس وبالنظر في أواصر هذه العلاقة بالشركس التي يُلمح فيها الوشائج العميقة والصلة الحميمية التي تربطه بهم، وجَذَبتهم إليه، ولم تنحصر مظاهرها ومضامينها بعشقه وهيامه بجيدهن الحسان وأطيافهن وبغزله العفيف شعرًا عذبًا رقيقًا بهن، وقد فتنّهُ وأخذن منذ مرحلة مبكرة من حياته الإبداعية. ولم تقتصر هذه العلاقةعلى تغنّيه بالسهول والأودية والهضاب والسفوح التي حلّوا فيها وأقاموا فيها بل أيضاً بالوقوف على أطلال طفولتهن ومرابع صباهن، وقد أضحت هذه وتلك محطات قُدسيّة بخالصِ وعفيفِ هواه، وباتت أطيافهن هواجس وحيٍ والهام لشاعريته ورموزًا للرفعة وللسمو الوطني، وراحة البال والاطمئنان والحنان والشعور بالأمان التي ما انفك عرار ينشدها منذ نعومة أظفاره. بالإضافة إلى العلاقة الوطيدة التي جمعته في صداقة صدق وود مع الشركس ورجالاتهم واحترام متبادلين ورفقة نظام اجتماعي وكفاح سياسي.
وفي الورقة الثالثة قدّم الأستاذ الدكتور بسام الربابعة “الدراسات الفارسية حول عرار” وبينت اهتمام الناطقين باللغة الفارسية بجهود الشاعر الكبير مصطفى وهبي التل وآثاره وترجمته لرباعيات الخيام وتأثّره بعمر الخيام، مما دعاهم وحفّزهم لتخصيص أبحاث ودراسات متعددة في هذا الشأن، وهو الجانب الذي يكاد يكون مجهولًا في العالم العربي، وقد انطلق الشاعر الأردني الكبير عرار بشعره وترجمته نحو العالمية فأضحى مشهورًا داخل الوطن العربي وخارجه، لا سيما لدى الناطقين باللغة الفارسية والمثقفين الإيرانيين واهتمام الباحثين والناطقين بالفارسية، لا سيما الدارسين المهتمين بعمر الخيام وترجمة رباعياته، وبدراسات الأدب المقارن في الأدبين العربي والفارسي، كما حظيت ترجمته بالعناية والاهتمام، فصارت ترجمته ومختارات من أشعاره تُدرّس في العديد من الجامعات الإيرانية، وقد كُتبت حوله عشرات الأبحاث والدراسات من قبل الناطقين بالفارسية، وأضحى عرار وديوانه وترجمته وجهوده معروفة لدى المثقفين الإيرانيين، وقد استعرض الدكتور بسام الدراسات والأبحاث التي أنجزها هو وأنجزها الباحثون وأساتذة الجامعة الإيرانية حول عرار.
وفي الورقة الرابعة تناول الأستاذ الدكتور نبيل حداد، شاغل كرسي عرار، “عرار الحرية والالتزام “، مبينًا أن عرار ليس شاعراً مجيدًا فحسب، بل هو مثقف صاحب رؤية ووعي ومعرفة وموقف حضاري، ثم إن سيرة عرار بجانبيها الشخصي والعام سردية لا تقل جمال وإثارة عن رواية فنية مستكملة الشروط ومكتملة الأركان، و”دراما” شعره بات مغناة للأجيال في الأردن بمختلف أعمارها وتعدد فئاتها وتباين أزمانها، وبانت شخصيته أيقونة يزهو بها الإرث الاجتماعي وتاريخ الحركة الشعرية في الأردن. ولعلّ من أهم ما تنطوي عليه “سردية” عرار هو ذلك الصراع الأبدي بين الفرد والجماعة أو بين ما يؤمن به الفرد وما يعيشه من تجارب عاطفية، أو يتبناه من معتقدات وأعراف وممارسات قد تخالف أو تتناقض ما توافقت عليه الجماعة، وهذا ما يضفي على عرار حالة خاصة ولكنها نموذجية. وقد قدمت الورقة العديد من الأمثلة والشواهد الشعرية والفكرية واللغوية والبلاغية للحرية والالتزام عند عرار.