هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوسط في الصراعات أفضل من البشر؟

اَفاق نيوز – على مدى قرون اعتمد فن الوساطة في النزاعات على مهارات إنسانية دقيقة، بدءا من عناصر بسيطة مثل كيفية التواصل البصري والاستماع بعناية، إلى اكتشاف التحولات في العواطف والإشارات الدقيقة من المعارضين.

والآن تعمل مجموعة متزايدة من رواد الأعمال والخبراء على طرح مجموعة جديدة مثيرة من الأدوات في عالم حل النزاعات بالاعتماد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.

قالت سما الحمداني مديرة برنامج هلا سيستم، وهي شركة خاصة تستخدم الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لجمع معلومات استخباراتية غير مشفرة في مناطق النزاع من بين مهام أخرى متعلقة بالحرب: “إن التقدم التكنولوجي الرائد يُحدث ثورة في حدود السلام والوساطة”. وأضافت: “إننا نشهد حقبة يُحول فيها الذكاء الاصطناعي الوسطاء إلى مراكز قوة تتسم بالكفاءة والبصيرة”.

وسما الحمداني واحدة من آلاف المتحدثين المشاركين في قمة الويب في الدوحة، حيث أُدرجت الوساطة الرقمية في النزاعات على جدول الأعمال. وكانت القمة التي استمرت أربعة أيام، بدأت في 26 واختتمت في 29 فبراير/شباط.

يقول الخبراء إن الحلول الرقمية أثبتت بالفعل فعاليتها في الدبلوماسية المعقدة. ففي ذروة القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، لم يتمكن الوسطاء من السفر لحضور اجتماعات شخصية مع محاوريهم. وكان الحل استخدام برنامج الاتصال عن بعد “سكايب” لتسهيل المفاوضات، كما فعل مبعوث الولايات المتحدة آنذاك زلماي خليل زاده لصالح الصفقة التي توسطت فيها قطر في المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان في عام 2020.

على مدى أجيال، كان وسطاء السلطة يجتمعون خلف الأبواب لاتخاذ قرارات تؤثر في الناس على نطاق واسع، ويمكن للتقنيات الرقمية الآن أن تسمح للعملية بأن تكون أكثر شمولاً نسبياً.

وهذا ما فعلته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني ويليامز في عام 2021، عندما استخدمت نموذجا هجينا يدمج التفاعلات الشخصية والرقمية أثناء قيادتها جهود الوساطة لوضع خارطة طريق نحو الانتخابات.

وقد ساعدتها هذه الإستراتيجية في التحدث إلى الأشخاص الذين يعيشون في مناطق تعتبر شديدة الخطورة بحيث لا يمكن السفر إليها. وتقدر الأمم المتحدة أن ويليامز تمكنت من الوصول إلى مليون ليبي.

ومع ذلك يتزايد الآن اهتمام الممارسين باستخدام التكنولوجيا بما يتجاوز المشاورات عبر الإنترنت.

فتقوم أنظمة المعلومات الجغرافية “جي آي إس” بتخزين المعلومات في الخرائط لمراقبة اتفاقيات وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه يخلق الواقع الافتراضي بيئات غامرة يمكن أن تزود الدبلوماسيين بفهم أعمق لما يحدث في الأزمات البعيدة التي يتوسطون فيها.

ففي عام 2021 دعت الأمم المتحدة مجموعة من الدبلوماسيين لتجربة الواقع الافتراضي لفهم عمل مهمة التحقق التابعة لها في كولومبيا بشأن عملية السلام في البلاد، وقال السفراء إنهم حصلوا على لمحة غير عادية عن السياق والخوف والمشاعر التي يمر بها الناس في البلاد.

وقال أحد الدبلوماسيين: “إنها أكثر مباشرة، وأكثر عاطفية، وتحتوي على رسائل وأوراق أقل”. وقال آخر: “يمكن أن يزيد ذلك من وعيك، وهذا يمكن أن يجعل الدبلوماسية أكثر فعالية”.

تتيح تقنية الذكاء الاصطناعي أيضا التحليل السريع لكميات كبيرة من البيانات، وتقسيم أشهر العمل إلى دقائق قليلة حتى تتمكن الآلة من قراءة المشاعر العامة والإبلاغ عن التهديدات الناشئة لعمليات السلام. ويمكن للتعلم الآلي أن يميز الأنماط أو الارتباطات ويساعد في إنشاء سيناريوهات حول ما يمكن لأصحاب المصلحة فعله ومتى.

وطَورت مبادرةٌ تابعة للأمم المتحدة مشروعا تجريبيا في أوغندا يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي -مثل تقنية التعرف على الكلام- لتحليل كميات كبيرة من المعلومات من البث الإذاعي، حتى يتمكن الباحثون من التعرف على المشاعر العامة بشأن قضايا تتراوح بين تغير المناخ واللاجئين الفارين من جنوب السودان. لكن الأمر ليس ورديا تماما.

طُوّر الذكاء الاصطناعي على يد مهندسين مثل كل البشر لديهم تحيزاتهم الخاصة، ويحذر الخبراء من أن هذه التكنولوجيا تُغذى ببيانات من الإنترنت، والتي يمكن أن تُعزز أو تُضخِّم التحيزات الاجتماعية القائمة وتشجع التمييز.

وفي الوقت نفسه يُعد التحقق من المعلومات وجمع الأدلة المعقدة أمرا بالغ الأهمية في وقت تُزيف فيه الصور أو أصبحت الأخبار سهلة للغاية.

قال منصور أحمد رينغرز مؤسس تطبيق أوبن أوريغنز، وهو تطبيق يساعد على حل النزاع: “في أي حل للصراع تحتاج إلى أساس مشترك من الأدلة حتى يأتي الطرفان إلى تلك الوساطة قائلين: هذا ما نعلم جميعا أنه صحيح”. وأضاف أحمد الذي شارك في قمة الويب بالدوحة: “إذا لم يكن هناك أساس لاعتقاد مشترك أو فهم مشترك لموقف ما، فلن تكون هناك وساطة يمكن أن تحدث”.

يجب توثيق المعلومات والقرارات القانونية عبر الإنترنت أو سجلات التصويت وتخزينها في مكان آمن حتى لا تتلف. فقبو البنك -فائق الأمان- الموجود تحت الأرض ليس له أي فائدة في عصر الويب 3.0. اليوم، الهدف هو تخزين المواد الرقمية في أكبر عدد ممكن من الأماكن، كما يقول المحللون.

هذا ما تفعله تقنيات بلوك تشين، إنها تحتفظ بالمواد في نظام لا مركزي وغير قابل للتغيير.

يقول مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة ريتشارد جوان: أصبحت التقنيات الرقمية أكثر شيوعا في صنع السلام، وهي تتيح للوسطاء رؤية الصراعات من جديد. ويضيف: “لكنني أعتقد أيضا أننا يجب أن نتذكر أن قلب أي عملية سياسية يظل يدور ويتعامل بين الأفراد الذين لديهم تحيزات ومخاوف وأيدولوجيات عميقة.. ما لم نطور التكنولوجيا التي تمحو ذكريات الناس من أفلام (مِن إن بلاك)، فإن البعد الإنساني للسلام سيظل حاسما”.

Related Articles

Back to top button