الذكاء الاصطناعي التوليدي .. كيف استخدمته الشركات في 2023؟
اَفاق نيوز -يبدو أن الشركات الرائدة في تكنولوجيات البناء والسفر والبيع بالتجزئة والرعاية الصحية وإنتاج الطاقة، قد أقرت بأهمية الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية وتعديل سلوك المستهلكين. إلا أن هذه الشركات في الوقت نفسه تواجه صعوبة في تحمل المصاريف الباهظة لهذه التكنولوجيا، ونقاط الضعف التي لا تزال ترافقها.
تقول الكاتبة بيل لين في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن الذكاء الاصطناعي التوليدي حظي خلال هذا العام باهتمام كبير، باعتباره تكنولوجيا رائدة في مختلف قطاعات الاقتصاد تعدنا برفع الإنتاجية إلى مستويات قياسية، وذلك من خلال القيام بالعديد من الوظائف وتحسين أساليب العمل.
ولكن بسبب الكلفة المرتفعة للذكاء الاصطناعي، والحاجة المستمرة للمهندسين المتخصصين في هذا المجال، إلى جانب المخاطر القانونية ومعضلة احترام البيانات الشخصية، فإن التقدم الذي أُحرز في هذا المجال لا يزال محدودا، في ظل الحذر الذي طغى على سلوك العديد من المؤسسات التي تجرب هذه الحلول الجديدة.
ولكن رغم هذا التردد فإنه لا يوجد أي شك في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف يغير المشهد بالكامل في مجال التكنولوجيات الاقتصادية. وقد شرعت بعض الشركات في تضمين الذكاء الاصطناعي في عملياتها لكتابة الأكواد والبرمجة، وإنشاء المحتوى التسويقي، وتوفير خدمة الدعم للعملاء.
وبنهاية العام 2023، أنفقت مختلف الشركات حول العالم 19.4 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وسيقفز هذا المبلغ الذي يشمل برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وما يرافقها من تجهيزات وخدمات أخرى، إلى 151.1 مليار دولار بحلول العام 2027، أي بنسبة نمو سنوي تبلغ 86.1% على مدى أربع سنوات.
وأوضحت الكاتبة أنه حاليا تعكف أغلب الشركات على اختبار حدود هذه التكنولوجيا، وزيادة استثمار الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية بشكل أوسع في تنظيم قواعد بياناتها، وتقييم الأمن السيبراني.
ويتطلع الكثير من الخبراء والرواد في هذا المجال إلى عام 2024، على أنه سيكون العام الذي سيُثبت فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي أنه مهم ويستحق المبالغ الضخمة التي تصرف عليه.
وتستعرض الكاتبة خمس شركات تمكنت من إيجاد حلول لدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها. ومن بين هذه الشركات هنالك وكالة الأسفار إكسبيديا، ومنظومة الرعاية الصحية ماس جنرال بريغهام، وبرمجية أعمال البناء والتشييد بنتلي سيستمز.
وايفير.. الذكاء الاصطناعي مهندس الديكور الداخلي الجديد
بينت الكاتبة أن هذه الشركة التي تبيع الأثاث عبر الإنترنت ويقع مقرها في بوسطن الأميركية، تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة العملاء على إعادة تصميم غرف الجلوس.
ويكفي أن يقوم العميل بتحميل صورة لغرفته حتى تقوم برمجيات وايفير باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج نسخ وأنماط متعددة لما يمكن أن تبدو عليه غرفة الجلوس بعد شراء الأثاث الجديد.
وإلى جانب أداة التصميم، فإن وايفير لديها تطبيقات ذكاء اصطناعي توليدي تُحسن الإنتاجية، وقد أثبتت جدواها الاقتصادية.
ولكن بحسب مديرة التكنولوجيا في الشركة فيونا تان، فإن وايفير تعتزم في بعض العمليات مواصلة الاعتماد على نماذج التعلم الآلي التي تعد أقل كلفة، ويمكنها إنتاج تصورات وتوقعات وحلول محسنة، وبالتالي فهي أكثر فاعلية من الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتشير الكاتبة إلى أن أداة التصميم والتزويق الداخلي للمنازل التي تقدمها شركة وايفير متاحة للمستخدمين بشكل مجاني، وهي تنتج صورا في غاية الواقعية. ولكن بما أنها تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنها من حين لآخر تنتج صورا تحتوي على أخطاء وعيوب غريبة، مثل طاولة بأرجل غير طبيعية، أو كأن يعجز الذكاء الاصطناعي أحيانا عن تحديد مكان النوافذ والمرآة.
وفقا للكاتبة، تعتبر هذه الشركة واحدة من أكبر مصنعي المنتجات الكهربائية والآلية، وهي تفضل استخدام نماذج ذكاء اصطناعي أصغر وأقل استهلاكا للطاقة في بعض النطاقات المحدودة.
ويقول مدير الذكاء الاصطناعي في الشركة فيليب رامباخ: “إن نماذج اللغة الكبيرة يمكنها تلخيص البيانات وإنتاج النصوص، ولكن حين يتعلق الأمر بالتوقعات وتحسين العمليات فإنها لا تكون على درجة كافية من الفعالية، وهي تستنزف الكثير من الأموال والطاقة، وبالتالي فإن استخدامها لم يصبح بعد قرارا حكيما”.
وتلفت الكاتبة إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يستنزف كميات هائلة من الطاقة من مراكز معالجة البيانات، بالاعتماد على الطاقة الكهربائية التي بات إنتاجها أكثر كلفة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يستهلك ما يصل إلى 3.5% من كهرباء العالم بحلول العام 2030، بحسب دراسة أنجزها مكتب الاستشارات والبحوث التكنولوجية غارتنر.
ولهذا فإن شنايدر إلكتريك التي تنتج أدوات تشغيل الكهرباء في المنزل وشواحن السيارات الكهربائية وأنظمة الأتمتة المنزلي وبرمجيات إدارة الطاقة، اختارت الاعتماد على نموذج تشات جي بي تي 3.5 الذي يعد أصغر وأقل استهلاكا للطاقة بكثير.
وهذه الشركة التي يقع مقرها في فرنسا، تستخدم أيضا الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة عملائها على حساب وتحليل الانبعاثات الغازية الناجمة عن استهلاكهم للطاقة.
ماس جنرال بريغهام.. الفحص بالاعتماد على البيانات
ذكرت الكاتبة أن هذه الشركة التي يقع مقرها في بوسطن وترتبط بكلية الطب بهارفرد، تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحديد المرضى الذين لديهم سمات مشتركة، وبالتالي مساعدة الأطباء بهذه المعلومات من أجل معالجة المريض بناء على التجارب الناجحة في حالات مماثلة.
وتعتمد منظومة الرعاية الصحية لدى هذه الشركة على شركة التصوير الطبي بالذكاء الاصطناعي “أناليز إيه آي”، إلى جانب شركات ناشئة أخرى لجلب حلول جديدة لهذا القطاع. وتستعد الشركة حاليا لطرح أول منتجات للتشخيص الطبي باستخدام الذكاء الاصطناعي خلال النصف الأول من هذا العام.
وبحسب مدير علوم البيانات ونائب مدير التصوير الطبي في الشركة كيث دراير، فإن هذا المجال العلمي يتقدم بوتيرة سريعة جدا. وبالاعتماد على البيانات الموجودة سابقا والملفات الطبية والحوارات مع المرضى والخصائص الجينية، فإن نماذج اللغة الكبيرة يمكنها تحديد المرضى الذين يشبهون بعضهم.
وهذا النوع من الحلول التكنولوجية كان في الماضي يتطلب سبع سنوات من التدريب وملايين الدولارات لتطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل الصور، ولكن الآن يمكن تدريب نماذج اللغة الكبيرة في غضون أشهر قليلة.
ورغم أن هذا الحل يبقى مكلفا جدا فإنه سريع، وبالتالي على المدى الطويل سيكون موفرا للتكاليف، خاصة أنه قادر على إيجاد نقاط التشابه بين النصوص وصور الأشعة.
أفادت الكاتبة أن إكسبيديا تعتمد على روبوتات المحادثة “تشات بوت” لمساعدة المسافرين عبر تقديم نصائح وتوصيات ومساعدة فنية عند القيام بالحجوزات.
إلا أن هذه الشركة لا تعتبر الذكاء الاصطناعي حلا سحريا، حيث يقول المدير التنفيذي لإكسبيديا بيتر كيرن: “الذكاء الاصطناعي مجرد مساعد، وسوف يمكّننا من بلوغ أهدافنا واستكشاف بعض الحلول الجديدة، ولكن فكرة أن نطلب من الذكاء الاصطناعي حجز رحلة كاملة بجميع تفاصيلها هي مسألة تنطوي على مبالغة. وعوضا عن ذلك فإن إكسبيديا التي يقع مقرها في مدينة سياتل، ستقوم بتحسين تجربة المستخدمين أثناء حجز رحلاتهم. وعلى سبيل المثال فإن موقع الشركة سيتمكن من الإجابة على أسئلة الزبائن بناء على تاريخهم السابق في السفر والأشياء التي يفضلونها، وهكذا ستكون الأجوبة أكثر تخصيصا وواقعية”.
ذكرت الكاتبة أن هذه الشركة التي يقع مقرها في مدينة إكستن بولاية بنسلفانيا الأميركية، تنتج برمجيات لقطاع البناء والتشييد، وهي تطور الآن أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على صياغة رسوم وتصاميم لمواقع المشاريع، وأشكال البنى التحتية والمباني بشكل أكثر استجابة لتحديات العوامل البيئية والاستدامة.
يقول مدير التكنولوجيا في الشركة جوليان موت: “نحن نطرح السؤال عن علاقة التأثير والتأثر بين درجات الحرارة في كوكب الأرض والطرق السريعة والجسور وما إلى ذلك من البنى التحتية. يجب أن نكون قادرين على تحليل التصميمات لتقييم الظروف المستقبلية حتى تكون مشاريعنا قادرة على مجابهة الظروف الطبيعية الصعبة”.
وعلى المدى القصير تعكف بنتلي سيستمز على مساعدة المهندسين على إنتاج تصميمات باستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل توفير مساعد آلي يشارك المهندسين في 30 إلى 50% من هذا العمل.
واختتمت الكاتبة التقرير بالقول إن الذكاء الاصطناعي بدأ استخدامه فعلا في مجال البنى التحتية لمعالجة الشقوق والصدأ في الجسور، وتوقع متى ستحتاج الطرق إلى أعمال صيانة وترميم.
وإضافة إلى ذلك فإن نماذج اللغة الكبيرة التي تعتمدها الآن بنتلي سيستمز قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات من بينها تحليلات لحالة الهياكل والمنشآت، وقوانين البناء وقوانين الفيزياء، والظروف المناخية، وتأثيرات مواد البناء الجديدة على التصميمات المستقبلية.