الإنتصار الكلي .. او الجزئي .. او الإنكسار
عوض ضيف الله الملاحمه
أرجو من القراء الكرام ان يعتبروا فكرة مقالي هذا كما الطلقة الطائشة . واذا ودّوا الإرتقاء بها قليلاً ، ان يعتبرونها هذراً معمماً تجاوز الذات . اما اذا ودّوا احترامها فليعتبرونها عصفاً ذهنياً .
لننطلق من القاعدة الرئيسية الأكيدة . فالكيان كان ومازال له حُلماً إستراتيجياً بعيد المدى ، وقسّم تحقيق هذ الحلم او هذه الإستراتيجية الى خطط ومطامع جزئية حسب الظروف والإمكانيات . فكانت بداية المشروع الصهيوني بأجزاء من فلسطين التي تم إحتلالها عام ١٩٤٨ . لكن لخيبة العرب ، وإنهزامهم ، وخياناتهم ، إستغلوا الظرف وسيطروا واحتلوا أراضٍ أكثر بكثير مما خُطِط له ، والامثلة كثيرة منها توسعهم في احتلالهم الى ( أم الرشراش ) أيلات حالياً .
وفي حرب حزيران او حرب الأيام الستة كما تسمى عام ١٩٦٧ ، لم يكن ضمن مخطط العدو إحتلال كل الأراضي التي إحتلها ، أبداً . ورشح بعد تلك الهزيمة المخزية التي لا مبرر لها سوى سوء الإدارة والتخطيط ، والخطأ المميت الذي نتج عن إغلاق مضائق تيران ، ما كان هناك ما يمنع العدو من الإستمرار في ملاحقة فلول الجيوش العربية ليصل الى عمّان ودمشق ، التي اعتُبرت وما زالت ساقطة عسكرياً بإحتلال الجولان . وكانت النتيجة ان تحصّل العدو على فرصة كبيرة بالتوسع أكثر بكثير مما خطط .
وبتاريخ ١٩٦٨/٣/٢١ ، ودّ العدو تكرار محاولتيه السابقتين بإحتلال الأغوار الأردنية ومرتفعات السلط ، ليتخلص من نقطة الضعف القاتلة والتي ما زالت قائمة . لكن أشاوس جيشنا العربي الأردني الباسل تنبهوا للمخطط ، وتصدوا للعدوان تصدي الأبطال ودحروا العدو لا بل وأذلوه ، لا بل واجبروه على تغيير مفاهيمه وغطرسته العسكرية ، وحولوا أحلامه الى كوابيس ، أفقدتهم رشدهم ، وهزّت ثقتهم المفرطة بأنفسهم . وأصبحت معركة الكرامة — فعلاً معركة كرامة — هي الوحيدة اليتيمة الفريدة التي تم تحقيق إنتصار لجيش عربي على العدو .
وهذا لا يُلغي إنتصار حرب اكتوبر عام ١٩٧٣ ، التي حقق فيها جيش مصر العظيم بطولات تُرفع لها القبعات ، لكن الفعل السياسي الرديء حجّم لا بل أذهب تلك البطولات وحولها الى حرب تحريك وليس حرب تحرير . وسوف أروي لكم قصة بسيطة تدلل على ان كل متابع حصيف كان يعرف انها حرب تحريك وليست حرب تحرير . في ذلك التاريخ كنت طالباً في جامعة بغداد . وأتشارك السكن مع زملائي : الأستاذ / محمود صالح الضمور ، والأستاذ / جمال عارف الملاحمة ، ومعالي الأستاذ/ عبدالكريم عبدالرحمن الملاحمة ، في منطقة راغبة خاتون الجميلة الراقية المجاورة لمنطقة الأعظمية . وفي جلسة مسائية ونحن نتابع مجربات الحرب ، ونتناقش بتفاصيلها ، تصوروا اننا ونحن طلبة في الجامعة ، صغار في السن ، خَلُصنا في نقاشنا واتفقنا على ان كل المؤشرات تؤكد على انها ليست حرب تحرير ، بل هي حرب تحريك للقضية ، وسيتبعها عملية سلام مع العدو ستصعق العرب جميعهم ، تصوروا مستوى التفكير عند فتية بهذا العمر المبكر .
الآن ، يبدو ان المقاومة الباسلة في غزة لن تحقق إنتصاراً كلياً بكافة مفاهيمه . بسبب الخذلان العربي المقيت ، بالإضافة لأسباب أخرى كثيرة . وهنا ستتأرجح التوقعات بين تحيق إنتصارٍ جزئي ، وبين تحقيق إنكسار مؤلم ، لا يلغي ما حققته المقاومة من بسالة ، وإرباك للعدو أفقده الثقة بنفسه لدرجة غير مسبوقة ، لا بل غير متوقعة ، لا بل مذهلة . والإنكسار هنا يعني عدم تحقيق أهداف يُعتد بها للقضية على الأرض ، اما معنوياً فالمكاسب كثيرة وكبيرة . اما الإنتصار الجزئي فيتم في حال تم وقف الحرب الإبادية لشعب غزة البطل . وعودة غزة دون إعادة إحتلالها . وعودة شعب غزة لأماكن سكناه رغم الإجرام والإفراط في الإبادة والدمار . وان تبقى المقاومة موجودة وثابته رغم الجِراح . لأن بقاء المقاومة بتنظيماتها المتميزة إلتزاماً وإقداماً على التضحية وتنظيماً وتسليحاً وتدريباً وإنضباطية يعتبر نصراً جزئياً بمعنى الكلمة . وتسميته جزئياً سببها ان هذا المعركة هي احدى معارك التحرير وهي سلسلة من حلقات النضال للتحرير الكلي بإذن الله .
وهنا أتساءل : ما هي إنعكاسات اي من الحالات الثلاثة المتوقعة عند إنتهاء هذه الحرب على الأردن وهي : الإنتصار الكاسح للعدو لا سمح الله ، او الإنتصار الجزئي للمقاومة ، او الإنكسار لا سمح الله ؟ بالتأكيد ان لكل حالة إنعكاسات مختلفة عن الحالة الأخرى . وهذا يتطلب وضع خطة او أكثر لكل حالة . في ظل بدء مباشرة العدو لخطة تختلف تماماً عما يجري في غزة . ففي الضفة إتبع العدو سياسة التشدد في التضييق على الفلسطينيين ، وزيادة نسبة القهر لديهم ، من تنكيل ، وقتل ، و إعتقال ، وهدم منازل ، ونشر منشورات تحث الفلسطينيين على الهجرة ، وبأنه ليس أمامهم الا القتل او الهجرة الى الأردن . وكلنا نعلم الأحياء التي تم تهجير سكانها من مخيم جنين ، وعشرات المنازل التي تهدم يومياً ، وتسليح سكان المستعمرات ومهاجمتهم للفلسطينيين جماعات وافراداً .
لا أدري ، لكنني أتمنى ان يكون الأردن الرسمي يُدرك تلك المخاطر ، واذا أدركها ان لا يكتفي بذلك ، بل ان يجترح حلولاً إبداعية للتصدي والمواجهة مبكراً . آملاً ان لا نكون قد إستسلمنا للأمر الواقع ، وعجزنا عن مقاومة مخططات العدو التي تستهدفنا . وان لا نكون قد حرَفنا إستعدادنا لتجهيز المخيمات إستسلاماً ورضوخاً وإنصياعاً للواقع الذي سيفرضه العدو . ومما يؤسف له ان التوضيح الخاص بالمخيم الذي يتم إنشاؤه أضعف من ان يطرد الشكوك . لأن البيان الرسمي قال 🙁 إنشاء مأوى في منطقة الأزرق للتعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية .. الخ ) . أية أزمات يمكن ان تحصل غير التهجير !؟ أما الكوارث الطبيعية ، فلا يمكن الأخذ بهذه التسمية لان الكوارث الطبيعية تعني الزلازل والبراكين وما شابهها ؟ وهل الأردن مهدد زلزالياً لهذه الدرجة وبهذه الحِدّة ؟ ثم في حال الكوارث الطبيعية من سيذهب الى تلك المناطق !؟ حيث من المتعارف عليه إقامة مخيمات بنفس المنطقة المنكوبة . ثم هل لدينا ترف في موازنتنا لعمل هكذا توقع خيالي غير علمي وغير مسبوق جيولوجياً !؟ وهل هناك كارثة طبيعية قادمة قريباً جداً تستدعي الإسراع وكسب الوقت في هكذا ظروف تعاني منها الموازنة العامة من عجوزات متراكمة ومديونية وصلت الى ما يقارب ال ( ١١٥٪ ) من الدخل الوطني الإجمالي ؟ عادة التبريرات غير المنطقية ، وغير الواقعية ، وغير الصادقة ، يكون الصمت فيها أفضل لانها لا تخدم هدف مُطلِقها . ولأنها تنم عن إستخفاف بالمُخاطب . ولا حول ولا قوة إلا با الله العلي العظيم .