حوارية في “اليرموك” تناقش “مستقبل حقوق الإنسان في ظل الانتهاكات الإسرائيلية والعدوان على فلسطين”
مندوبا عن رئيس جامعة اليرموك، رعى نائب الرئيس لشؤون التخطيط والتطوير وشؤون البحث العلمي والجودة الدكتور سامر سمارة افتتاح فعاليات الجلسة الحوارية “مستقبل حقوق الإنسان في ظل الانتهاكات الإسرائيلية والعدوان على فلسطين” التي نظمها مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية في الجامعة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، بمشاركة كل من الدكتور عبد الحكيم الحسبان من الآثار والأنثروبولوجيا في الجامعة، والدكتور صدام أبو عزام من جامعة جرش الأهلية، والأستاذ محمد البوريني رئيس لجنة خدمات مخيم الزرقاء – دائرة الشؤون الفلسطينية.
وأكد سمارة على أن اليرموك باعتبارها إحدى مؤسسات هذا الوطن تضطلع بدورها الهام في مناقشة مختلف القضايا الهامة على المستوى المحلي والعربي والدولي، حيث تعتبر القضية الفلسطينية من القضايا المحورية والأساسية التي يتبناها الأردن ويعتبرها قضيته الأولى، مؤكدا على أن ما يدور في غزة وما يتعرض له أهلها من قتل وتدمير وانتهاكات يحتم علينا أن ندرسه ونقاشه مع أهل الاختصاص لمعرفة ما يعانيه أهل القطاع من انتهاكات لحقوق الإنسان على المستوى الدولي.
وفي بداية الجلسة ألقت مديرة المركز الدكتور ربى العكش كلمة أكدت فيها حرص مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية في اليرموك على مواكبة القضايا والأحداث الآنية في الأردن والمنطقة، وتسليط الضوء عليها، وإثرائها بالبحث والنقاش العلمي، من خلال استضافة النخب المميزة، أصحاب الاختصاص والتجربة والخبرة، لافتة إلى أن انعقاد هذه الجلسة الحوارية جاء بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، تزامنا مع وقوع أكبر جريمة واعتداء على حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، بمكان ليس ببعيد عنا على مختلف المستويات الإنسانية والوجدانية والمصير الواحد وهو ما يؤكد عليه دوما جلالة الملك عبدالله الثاني في جميع المحافل باعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية بالنسبة للأردن.
وأشارت العكش أن احتفالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان لهذا العام تحمل موضوع “الكرامة والحرية والعدالة للجميع”، وعلى الجانب الآخر وفي ظل العدوان الإسرائيلي على فلسطين ارتقى قرابة العشرون ألف شهيد، أغلبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، وأصيب أضعاف ذلك العدد، ونَزَحَ وشُرّد قرابة المليوني فلسطيني، إضافة إلى تدمير كامل للبنية التحتية وأساسيات العيش الكريم والخدمات الصحية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل كما الكثيرون مع ما نشهده من انتهاك لجميع المواثيق والأعراف الدولية حول مستقبل حقوق الانسان، وآليات تطبيقها، وهل هي مقتصرة على فئة دون أخرى؟
وشددت على أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة، سواء أكانت مدنية، أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فهي جميعاً حقوق متأصلة في كرامة كل كائن إنساني.
بدوره، أكد الحسبان أن السجل الموثق المرعب للكيان الصهيوني في انتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني، هي نتاج طبيعي للدعائم والأسس المشوهة والمدانة منطقيا واخلاقيا وحقوقيا للتي قام عليها الكيان، فانتهاكات حقوق الانسان هي جزء من الدعائم المؤسسة له وليست مجرد انحرافات عرضية هنا أو هناك.
وأشار إلى أن منطق ولادة الكيان الصهيوني لا يتسق مع منطق نظريات نشوء الدولة، فمعظم النظريات تؤكد على ضرورة اختمار العوامل الداخلية، بمعنى أن مجموعة العوامل الاقتصادية والاجتماعية واللغوية والايكولوجية والايديولوجية تتشكل داخل سياق مكاني وتاريخي وزمني تفضي إلى تشكيل الدولة، لافتا إلى أن المفارقة تتمثل بأن عوامل انشاء الكيان اقتصاديا واجتماعيا وايديولوجيا لم تكتمل على أرض فلسطين بل اختمر المشروع وتشكلت الفكرة في سياق تاريخي ومكاني وزمني خارج أرض فلسطين وتحديدا في اوروبا الغربية.
ولفت الحسبان إلى أن الدولة الحديثة تقوم على مبدأ المواطنة، لكن الكيان الصهيوني يقوم على اساس رابطة الدين بمعنى التشارك في الرابطة الدينية وليس رابطة الاقليم كي يحصل الفرد على الحقوق والواجبات، مشيرا إلى أن الكيان الصهيوني هو العضو الوحيد في الأمم المتحدة الذي لم يودع خريطة لحدوده الدولية، لأنه يقوم على مبدأ حيث تصل الدبابات الصهيونية تصل حدود الكيان (من النيل الى الفرات).
وقال إن الاقتصاد الصهيوني يعمل باعتباره اقتصاديا استعماريا يتعامل مع الاقتصاديات المجاورة باعتبارها اقتصاديات تابعة، فقام بتشويه الاقتصاد الفلسطيني في الضفة وتحويله لاقتصاد زراعي تابع وغير منتج وموفر لليد العاملة وسوق للبضائع التي تصدرها مصانع الكيان، لأن إنشاء الكيان جاء لوظيفة وهدف استعماري يتعلق بإبقاء المنطقة في حالة تفتيت وضعف.
فيما تحدث أبو عزام عن “ازدواجية المعايير في القانون الدولي”، مؤكدا على أن ما تمر به غزة من انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي يعتبر اختبارا هاما وعميقا لمنظومة الأمم المتحدة، مبينا أنها الآن على المحك أمام هذه المآسي والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، لافتا إلى أن مسألة ازدواجية المعايير واضحة للعيان ولا تحتاج إلى عناء كبير لملاحظتها، متسائلا لماذا هذا التخاذل ولماذا هذا السكوت العالمي ولماذا لا يتم تفعيل آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؟
وقال إن القانون الدولي لحقوق الإنسان هو قانون مرن، أي لا توجد سلطة دولية تملك سلطة إيقاع الجزاء الدولي، فالفعل المُجرم الذي يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان هو فعل مشخص لكن الجهة التي توقع الجزاء ما زالت موقع أخذ ورد، لافتا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية ما زالت عاجزة لأن تمثل سلطة قضائية دولية.
وأضاف أبو عزام أن الاختصاص الممنوح لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية يعتمد على صلاحيته التقديرية وعلى قرار مجلس الأمن، معتبرا أنه أحد الأمثلة الصريحة على ازدواجية المعايير حيث يمكن لمجلس الأمن وبموجب ميثاق روما أن يحيل وبشكل مباشر للمحكمة الجنائية الدولية أي قضية تتعلق بالقانون الدولي الإنساني سواء إبادة جماعية أو جريمة حرب من جهة، كما انه إذا وجد مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بأن هناك جرائم ترتكب على أرض الواقع بإمكانه ان يمارس صلاحياته ويرسل طلبا إلى مجلس الامن بالإيعاز لبدء الإجراءات للملاحقة الجزائية لمرتكبي هذه الجرائم، إلا أن مدعي عام المحكمة الجنائية أفصح عن رأيه الصريح حول ما يدور في غزة بأنه لا يشكل جريمة حرب أو إبادة جماعية، كما ان مجلس الامن لا يمارس صلاحياته بإحالة هذا الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وأشار إلى أن هناك أوهام كثيرة دارت في القرنين 20، 21 حول النظام العالمي الجديد فيما يخص احترام سيادة الدولة، والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان إلا أنه ومع ما يدور في غزة من احداث جعل الأمم المتحدة تصطدم بآليات قدرتها على بلورة هذا النظام العالمي الجديد.
فيما تحدث البوريني عن “القضية الفلسطينية وتطوراتها تاريخيا، والمواقف الأردنية تجاهها”، مشيرا إلى أننا نجتمع اليوم للتحدث حول الظروف والاحداث المختلفة والتي جعلت من فلسطين قضية شعب وأمة لا بل قضية كل الأحرار في العالم المؤمنين بحق الشعوب العيش بكرامة في أوطانهم طبقا للشرائع السماوية وكل قرارات الشرعية الدولية التي تكفل سيادة الدول وحق الشعوب التمسك والدفاع عن سيادة أوطانها ودولها ضمن حدود معترف بها فتحكم نفسها بنفسها وبالطريقة التي ترى بأنها تحقق لها التقدم والنماء والازدهار.
واستعرض البوريني تاريخ قضية الشعب الفلسطيني التي بدأت خيوطها تنسج بعد لقاءات ومحادثات مطولة بين الحكومة البريطانية وقيادات في الحركة الصهيونية حتى أصدر وزير خارجية بريطانيا آنذاك بلفور في 2/11/1917 وعد الحكومة البريطانية بتأييد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مرورا بمرحلة الانتداب البريطاني حيث بدأت ادارة الانتداب بتقديم كل الدعم للحركة الصهيونية لتنفيذ وعد بلفور وتحقيق مضمونه، ومن ثم حرب العام 1948 التي احتل بها الجيش الاسرائيلي بدعم مباشر من بريطانيا ودول الغرب معظم الاراضي الفلسطينية.
وأشار البوريني إلى أن إسرائيل وبدعم مباشر من حلفائها كانت ومازالت ترفض الالتزام بأي قرار دولي صدر بخصوص القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني على تراب وطنه لا بل واستمرت اسرائيل بالتخطيط لتحقيق هدفها البعيد بالتوسع والاستيطان وقضم اية اراضي فلسطينية وعربية لغايات تحقيق مخططها بإقامة “دولة إسرائيل” من الفرات إلى النيل.
وأشار إلى أنه وعلى مدى تاريخ القضية الفلسطينية كان للأردن والقيادة الهاشمية موقفا ثابتا لم يتبدل بالدفاع عن حق الفلسطينيين على تراب ارضهم، مشيدا بما يبذله جلالة الملك عبد الله الثاني من جهود كبيرة لتحقيق سلاما عادلا في المنطقة.
وفي ختام الندوة، دار نقاش موسع حول موضوعها وما تضمنته من محاور.