الشباب في وجه سماسرة المال السياسي وبورصة الانتخابات النيابية القادمة
حسن محمد الزبن
مع الإعلان عن التحضير للانتخابات النيابية القادمة، والتي سيدخل معتركها الأحزاب بقوة، والتي عزمت على خوض الانتخابات بنفس وإصرار قوي، ستعتمد على مرشحي أهم ما فيهم نفوذهم المالي ومتقدم على حضورهم السياسي، المهم أن لا تقع في قصور الدعاية والترويج الانتخابي لمرشحيها، أملا في أن تكون الدعاية الانتخابية للحملة الانتخابية بالمستوى المطلوب، وهؤلاء المرشحين سيتصدرون القوائم الأولى المخصصة للأحزاب السياسية فيما يخص القائمتين المحلية والوطنية، لذلك ستكون الفرصة الأكبر بالفوز لهؤلاء، خاصة أن منهم من يمكنه ضخ مبالغ مالية ضخمة تصل حد المبالغة بأرقامها لأجل الحملة الانتخابية الخاصة به لأجل الوصول إلى قبة البرلمان، لذلك لن نتفاجأ بالنتيجة الحاسمة للانتخابات النيابية القادمة وبأسماء الفائزين، ولو يسمح المجال في هذا المقال لذكرت ثلثي أسماء وأعضاء المجلس القادم، ليس نباهة في توقعاتي، لكنها المعادلة التي تفرض نفسها في عجلة التنافس في وقت مبكر ما بين أحزاب لها تاريخ وناضجة فكريا وسياسيا ولها برامجها، وأحزاب أخرى ناشئة أومتآلفة استدراكا للقطار، وحتى لا تفقد اللحاق بالمرحلة القادمة.
نعم سيكون اقتصاديون ورجال أعمال، وسيكون السياسيين وأصحاب الرأي في المجلس القادم فهؤلاء بالتأكيد ممن لهم القدرة على تغطية حملاتهم الانتخابية من مالهم الخاص حصيلة إرثهم العائلي، أو من جهة تتكفل حملتهم الانتخابية كاملة، أما الأحزاب التي تفتقر للمساحة الكافية من القواعد الشعبية التي يمكن أن تخدمها في الانتخابات لن تفلح بإفراز من يمثلها في المجلس النيابي القادم.
سيعود إلى الواجهة سياسيون واقتصاديون معروفون وعاصرناهم، ولكن إن توفر الوعي الحقيقي للمرحلة القادمة لن تشكل نسبة وجودهم 20 % من مقاعد المجلس النيابي، وعلى الأرجح أن التوريث العائلي للمنصب السياسي سيكون ماثلا في المشهد القادم للانتخابات النيابية من خلال بوابة الأحزاب القوية، وسيكون بين المرشحين الشباب أبناء لهؤلاء السياسيين والاقتصاديين المخضرمين وهم يرون في أبنائهم تعويضا عن وجودهم في المشهد السياسي الأردني، وفي هذا ضمانة لاستمرارية تواجد وحضور الإرث العائلي في العمل السياسي.
نحن لا نريد لأحزابنا الوطنية أن تنزلق لتكون واجهة لجهات خارج الأردن، التي يمكن أن تتكفل بتسويق المرشحين الحزبيين دون قرائن تثبت ذلك، أو ظهور أي مدلولات واضحة وتجري في الخفاء، ولذلك وقبل أن يقترب موعد الانتخابات يجب تقديم إبراء ذمة لكل عضو في الأحزاب الأردنية دون استثناء، مع أن الأصل في هذا الأمر أن يتم بمجرد تقديم العضو أوراقه للانتساب في الحزب والمصادقة على قبوله عضوا فاعلا فيه، فبمجرد أنه تقدم للترشح للانتخابات من خلال حزبه أقلها يمكن التنبؤ بقدراته المالية التي يمكن أن ينفقها على حملته الانتخابية، وإذا ظهر ما يخالف واقعه المالي بصرف مبالغ طائلة ومبالغ فيها فإنه حينها تكون علامات استفهام حوله، وعلى الجهات المعنية التوقف عند هذا الأمر ومعرفة مصادر الأموال التي أنفقها جملة وتفصيلا، فبيان التكلفة المرصودة للحملة الانتخابية يمكن تتبعها من خلال النفقات التي صرفت من خلال صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية والمطابع واللافتات وتقدير النفقات على زوار المقر الانتخابي للمرشح، وغير ذلك.
الجاه السياسي هوس بعض الأثرياء ومن هم من طبقة رجال البزنس، وهؤلاء لا يمكن منعهم من الترشح وهو حق مشروع وقانوني كفله لهم الدستور وقانون الانتخاب، ولا يمكن منع مشاركتهم ولهم الحق بالمشاركة كأي مواطن أردني معسر لا يملك إلا الرسم الخاص بالاشتراك بالانتخابات، لكن هؤلاء المرشحين أصحاب الملايين سيكون لهم دور في إقصاء المرشحين المخضرمين في السياسة والرأي وإن كان يدعمهم ويؤازرهم أصحاب الثقل الاجتماعي والعشائري والخيرة الطيبة ممن لا يقبلون إلا أن يكون صوتهم حرا نقيا لا يخضع للمزاد الخفي من أي كان، ومع ذلك ندرك أن الأموال الضخمة التي ستنفق في الانتخابات ستغير المعادلات المتوقعة من الأحزاب وستثير تساؤلات كثيرة في الشارع الأردني.
وفي ظل الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المواطنون والمنتسبون للأحزاب لا غرابة ولا استهجان عندما نجد تدخل سماسرة وتجار الانتخابات بتكريس وقتهم وأساليبهم في تسويق مرشحيهم لشراء الذمم وبيع الأصوات لدى بعض الناخبين والذي أراه إسقاطا لقيم الالتزام الأخلاقي والديني، وترفضه أعرافنا وقيمنا وعاداتنا.
فحرب الانتخابات لعينة بين أرباب المال والاقتصاد وأهل الرأي والسياسة، وسيكون الإيقاع الانتخابي ساخنا، والأعصاب مشدودة، ولن يخلو الجو من الضجيج والاكتظاظ، ولن يخلو من لقاءات سرية مع سماسرة الانتخابات وتجارها، والتفاوض لمن يدفع أكثر يحظى بفرصة اقتناص الصوت الرخيص، نعم أعتبره رخيصا مهما بلغ سعره لأنه تم الاستحواذ عليه، بالترغيب والمخاجلة، وسنشهد مخالفات قانونية يلجأ لها مديرو ووكلاء الحملات الانتخابية لبعض المرشحين وعهدنا ذلك في مراحل سابقة وتم حجز البطاقات الشخصية للمواطنين المقاطعين للانتخابات ولا يرغبون المشاركة فيها، وذلك لمنع المواطن من التصويت لأي مرشح منافس.
الموضوع ليس سهلا على الحكومة والهيئة المستقلة للانتخابات وهناك صعوبة في كشف حالات بيع وشراء الأصوات لأنها لا تتم في العلن بل تتم في سرية تامة داخل المكاتب والبيوت إلى أن تثار الشبهات حول ذلك ويتوفر الدليل وتصبح أمام القضاء.
أعتقد أن من يغير المعادلة التي ذكرتها آنفا في الانتخابات القادمة هو وعي الشباب والمرأة واستقلالية كل منهما في قراره بأن يكون مرشحا، أو من خلال موقعه كناخب له صوت يدعم من يحقق آماله وطموحاته وأفكاره باتجاه المستقبل، وهذا ضمانة لتغيير الوتيرة المألوفة والمرسومة في ذهن المواطن التي تسيدت المراحل السابقة، وإصرار بعض الشخصيات الاستحواذ على المقعد الانتخابي من خلال الاستعانة بسماسرة المال السياسي وتجار الانتخابات.
لدينا في الأردن جيل من الشباب أثبتوا قدراتهم وإبداعاتهم وتميز مبادراتهم الفردية والجماعية من خلال برامج انخرطوا فيها لسنوات، والآن أكثر مما مضى يمكنهم أن يثبتوا أن لهم دورا في تشكيل الأحزاب ويخدمون البرامج الحزبية التي تخدم المجتمع المحلي وتخدم الوطن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويجب أن يعملوا من الآن ليكون لهم مكان في الواجهة السياسية الأردنية وأنهم العصب والمرتكز الأساس في تحقيق منظومة الإصلاح السياسي في الأردن، وهذا ما يتطلع إليه الجميع لأجل حياة أفضل في السنوات القامة لتكون ممهورة بدماء فتية شابة، وبأداء جديد ووعي وفكر متقدم وعصري يواكب ما نصبو إليه في المئوية الثانية من عمر الدولة، وينسجم مع طموحات الشارع الأردني بمختلف أطيافه دون المساس بالثوابت الوطنية والمتوافق عليها، والتي عشنا لنبني عليها بعرقنا ودمائنا وأرواحنا وما ملكت أيدينا.
وعلى الدولة العمل في هذا الاتجاه وتهيئة البيئة الحاضنة الآمنة لجيل الشباب الأردني ليخرج من حالة التشتت في الأفكار، وقناعاته التي تموضعت في ذهنه، وباتت معلنة هنا وهناك، وظهرت جليا في أكثر من مقابلة مع المسؤولين في الدولة، وتعطي انطباعا عاما لدى الشباب، مما يستدعي الانتباه والسعي للتركيز على موضوع المواطنة في مناهج التعليم الأساسي والثانوي والجامعي وحتى في المبادرات الفردية والجماعية التطوعية، وتوظيف وترسيخ الثقافة الحزبية ضمن مساقات أو مناهج دراسية لكل مرحلة لتعزيز الجانب الإيجابي في العمل الحزبي للأجيال القادمة، وهذا ما دعوت له في مقالات سابقة، والأهم تغيير هذه القناعات لدى الشباب، وتجد صداها وثمارها على أرض الواقع، ولو بعد سنوات من العمل والمثابرة ورسم السياسات لأجل مستقبل أفضل.
حمى الله الأردن،،،