نبش في .. أحزان .. حزيران

 

عوض ضيف الله الملاحمه

كُنَّا في نكبة ، عندما إحتل العدو الصهيوني فلسطين عام ١٩٤٨ ، ولم نفعل شيئاً . وأصبحنا في نكسة ، بعد هزيمة عام ١٩٦٧ . وكنا نأمل الخروج منها وتحويلها الى إنتصار ، بإعادة كافة الأراضي العربية التي إحتلها العدو الصهيوني عام ١٩٦٧ ، لا بل ولم نكتفِ بذلك ، بل كنا نأمل ان نُعيد فلسطين ال ٤٨ ، وان نُبيد العدو الصهيوني ونُسقِط كيانه . هذه الآمال كانت آمالاً حقيقية تراود كل عربي نقي في إنتمائه لأمته . كما ان منظمة التحرير الفلسطينية ، والأنظمة العربية ، كانت في إعلامها الظاهر لنا نحن العرب المُغيبون عن الواقع تنادي بذلك . لكن في حقيقية الأمر أغلب الأنظمة العربية وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية ، كانت مع العدو في الخفاء . وكان لكل نظام قنواته الخفية الخاصة في التعامل الذي وصل حَدَّ التضامن مع الإحتلال .

ما حصل عام ١٩٦٧ ، ليس نكسة ، كما سوقتها الأنظمة العربية ، بل هي هزيمة أمة ، معززة بتهاون ، او بخيانة أنظمة . والأدلة كثيرة على ذلك . لا بل ان وضع العرب الحالي أبلغ دليل ذلك .

للتأكد من التراجع ، وتقهقر الوضع العربي ، لدرجة الوصول الى حالة اليأس التي وصلنا اليها لابد ان نَسُوق بعض الأدلة ، على صدقية ذلك ، وحتى لا يكون الكلام مُرسلاً ، إسمحوا لي ان أسرد بعضاً من خيباتنا العربية ، وللتأكيد ان المنظمة ، والأنظمة لم تكن مع القضية يوماً ، وعليه سأسرد أهم التطورات التي طرأت :—
١ )) تصوروا ان الأنظمة العربية بكافتها لم تدرك الخديعة التي حيكت لها في صياغة قرار الأمم المتحدة رقم ( ٢٤٢ ) حيث تضمن النص الإنسحاب من أراضٍ عربية .. وليس الإنسحاب من الأراضي العربية !؟ مهزلة سخيفة تنطلي على ( ٢٢ ) نظاماً عربياً مهترئاً .
٢ )) زاد التباعد بين الأقطار العربية حتى وصل حَدّ التنافر ، والتناحر بين الأنظمة ، لدرجة بلغت حَدّ المواجهات والحروب عبر وكلاء .
٣ )) الأخطاء القاتلة التي إرتكبتها منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن عام ١٩٧٠ ، التي أسفرت عن أحداثٍ دموية ، بسبب تطلعهم لإسقاط النظام ، بدل التنسيق لإستغلال القرب من الأراضي المحتلة ، وتواجدهم على أطول جبهة مع العدو .
٤ )) نتائج مؤتمر الرباط الكارثية عام ١٩٧٤ ، الذي أباح لمنظمة التحرير الفلسطينية التفرد بقراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني . حيث بدأت تطفو على السطح الكثير من الإجراءات التي كانت تمارسها منظمة التحرير الفلسطينية في الخفاء ، مثل البدء بحوارات مع اليساريين الصهاينة ، والتي دفع القيادي / ماجد ابو شرار حياته ثمناً لمعارضته هذا النهج ، حيث تم إغتياله من قبل المنظمة ، وقد أكد لي ذلك هو شخصياً عندما التقيته في أبوظبي عام ١٩٧٨ ، عندما إختلفت معه في الطرح ، وقلت له ان الخيانة بدأت تُطِل برأسها من خلال طرحكم المتضمن البدء في حوارات مع اليساريين الصهاينة .
٥)) توقيع إتفاقية كامب ديفيد بين العدو ومصر التي تمثل ثقلاً عربياً ودولياً ، مما أضعف الموقف العربي كثيراً . والتي كانت من ثمار حرب عام ١٩٧٣ التي كانت حرب تحريك ، وليس تحرير .
٦ )) إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر عام ١٩٨٨ ، مما كشف عن مسرحية هزيلة ، بدأت مراحلها بالإنكشاف . لأن الإعلان الهزلي عن إستقلال دولة فلسطين على الأراضي التي تم إحتلالها عام ١٩٦٧ ، حيث يعني ذلك التنازل عن فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ ، ولم يتساءل أحد عن أن المنظمة تم إنشاؤها عام ١٩٦٥ ، قبل نكسة ١٩٦٧ ، وهنا تجلى إنحراف المسار .
٧ )) فك الإرتباط بين الضفتين ، عام ١٩٨٨ ، الذي كان له إنعكاسات عديدة يصعب حصرها على القضية ، الذي أعطى مُبرراً للأردن للإبتعاد قليلاً بدل الإلتصاق بالقضية ، وتحمُّله مسؤولية إحتلال الضفة الغربية وهي تحت السيادة الأردنية .
٨ )) إجهاض إنتفاضة عام ١٩٨٨ الباسلة في الضفة الغربية ، وإغتيال قادتها من قبل المنظمة ، التي لو قُيض لها الإستمرار لأطاحت بالكيان الصهيوني .
٩)) الذهاب الى مؤتمر مدريد دون أوراق قوة . حيث كان العرب في قمة ضعفهم . بعد ان شنّت أكثر من ( ٣٣ ) دولة — ومنها دول عربية — بإستثناء الأردن — على العراق ، مركز الثقل في أية مواجهة مع العدو الصهيوني ، وعادة يحصد النتائج من يكون منتصراً .
١٠ )) الإنفراد الفلسطيني في مؤتمر أوسلو عام ١٩٩٣ ، متناسين ان الذئب يأخذ من الغنم الشاة القاصية . حيث كانت الإتفاقية ضبابية ، وأسفرت عن إتفاقات كارثية يصعب حصرها ، وأخطرها تقسيم الضفة الى مناطق ( أ ، ب ، ج ، د ) ، ضمن إطار هيمنة صهيونية ، ويعفي العدو من كُلفة الإحتلال ، وتم تتوجيها بالتنسيق الأمني ، الذي يعني ببساطة قيام الشرطة الفلسطينية بحفظ الأمن ومراقبة المناضلين ، وسجنهم او تسليمهم للعدو .
١١ )) وتبعه اتفاقية وادي عربة عام ١٩٩٤ . حيث ذهب الأردن مهرولاً دون أية أوراق . لا بل ودون أية إستعدادات عند طرح الأوراق على طاولة التفاوض .
١٢ )) ثم الهرولة بسطحية مخزية الى إقامة سلطة على ربع مساحة الضفة . مما خفف على العدو كُلفة الإحتلال .
١٣ )) وفاء السلطة لوعدها للعدو بإجهاض أية محاولة لقيام إنتفاضة جديدة او حتى مجرد التفكير بالتحرير او حتى المقاومة .
١٤ )) إنهيار العديد من الأنظمة العربية بسبب ما سُمي بالربيع العربي . وتخطيط الأنظمة لإسقاط بعضها تآمرياً .
١٥ )) دخول العرب في ماراثون للتسابق على من يبدأ علاقات التطبيع مع العدو أولاً .
١٦ )) خفوت صوت العروبة ، ومعاداة الفكر القومي ، والإلتصاق بالقُطرية ، والإنكفاء على الذات ، وتعزيز مقولة (( القُطر أولاً )) ، ونشر حملات تشويه ، وتشكيك بالفلسطينيين ، وعزز ذلك التشكيك نهج السلطة ، وإنحراف بعض الفلسطينيين كأفراد عن المُثل والقيم الأصيلة ، وإبتعاد بعضهم عن قضيتهم ، بالتجنس بجنسيات عربية وأجنبية ، بما فيها بريطانيا وأمريكا ، مع ان الأولى أسست الكيان ، والثانية تدعمه بلا حدود وتحميه .

حتى وصل الوضع الى غض بعض الأنظمة الطرف عن إصدار ولو إدانة لجرائم الكيان ، ولو ببيان أجوف . وإنتشار حملات تشويه عدائية ضد الفلسطينيين عامة ، وكأن الشعوب العربية الأخرى مثالية في قيم وتصرفات وأفعال مواطنيها ، متناسين ان الإنحدار القيمي طال كل الشعوب العربية بما فيها الشعب الفلسطيني الذي من الطبيعي ان يكون فيه الصالح والطالح كأي شعب . لكن الهدف المستتر من وراء هذا التشوية هو إيجاد مبررات للبسطاء ، والمتنفعين لتعزيز نهج الدولة في التخلي عن القضية الفلسطينية .

إلّا أن البُشرى بالتحرر والتحرير ظهرت بإيقاد شعلة المقاومة على يد أشاوس الداخل الفلسطيني المتمثل في الحركات التي ظهرت مؤخراً مثل (( كتيبة جنين )) ، و (( عرين الأسود)) ، متزنرين بوعد الله الحق الذي سينفذ وستتحرر فلسطين . عندها ستتحول النكسات الى إنتصارات بإذن واحد أحد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى