الرواتب الفلكية في بلد فقير: كيف أصبحت المناصب وسيلة للإثراء على حساب الشعب؟
الدكتور محمد الهواوشة
في بلد يعاني من الفقر، وارتفاع نسب البطالة، وديون عامة تثقل كاهل الدولة، يصبح الحديث عن الرواتب الفلكية التي يتقاضاها بعض المسؤولين استفزازًا للشارع العام ومؤشرًا على الفساد المؤسسي. ومن بين أبرز الأمثلة التي أثارت غضب الشارع الأردني، تأتي قضية الرواتب والمكافآت الخيالية التي يتقاضاها رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات الأردنية، الدكتور محمد الذنيبات.
حقائق صادمة: مليون و400 ألف دينار سنويًا
لم تكن الانتقادات الموجهة ضد الرواتب العالية لرئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات مبنية على الشائعات، بل على أرقام صادمة كشف عنها النائب محمد المراعية تحت قبة البرلمان. فقد صرح المراعية أن مجموع الرواتب والمكافآت التي حصل عليها الدكتور محمد الذنيبات بلغت مليونًا و400 ألف دينار أردني خلال عام واحد فقط.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ حصل الذنيبات أيضًا على 210 آلاف سهم من شركة الفوسفات، ما يثير تساؤلات كبيرة حول معايير توزيع هذه الامتيازات والعدالة في إدارتها، خاصة أن هذه الشركة مملوكة جزئيًا للدولة، أي أن جزءًا من هذه الأموال يُفترض أن يعود للشعب الأردني.
تناقض صارخ مع واقع المواطنين
بينما يتقاضى الذنيبات هذا الرقم الضخم في عام واحد، يكافح المواطن الأردني العادي لتوفير قوت يومه، حيث لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري للغالبية 500 دينار. فكيف يمكن تبرير هذه الفجوة الهائلة بين رواتب النخبة والمستويات المعيشية لبقية الشعب؟ وكيف يُسمح لمسؤول في شركة حكومية بتحقيق ثروة شخصية ضخمة في وقت يعاني الاقتصاد الوطني من العجز والتدهور؟
فساد مؤسسي أم سوء إدارة؟
ما كشفه النائب محمد المراعية يسلط الضوء على قضية أعمق، وهي غياب الشفافية والمساءلة في إدارة الشركات المملوكة للدولة. عندما يحصل مسؤول واحد على مليون و400 ألف دينار في عام، إلى جانب مكاسب أسهم ضخمة، بينما يعيش ربع الشعب الأردني تحت خط الفقر، فإننا أمام مشكلة حقيقية في إدارة الموارد العامة.
المطالبة بالمحاسبة والشفافية
إن استمرار هذا الوضع يعكس انعدام الرقابة الفعالة على الأموال العامة. يجب على الحكومة اتخاذ خطوات فورية لمعالجة هذا الخلل، منها:
1. الكشف عن الرواتب والمكافآت لجميع مسؤولي الشركات المملوكة للدولة.
2. تحديد سقف معقول للرواتب بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي للبلاد.
3. إخضاع جميع الامتيازات للرقابة البرلمانية والشعبية.
4. إعادة النظر في هيكلية إدارة الشركات العامة لضمان الكفاءة والعدالة.
خاتمة
ما يحدث في شركة الفوسفات هو مثال صارخ على سوء استغلال المناصب للإثراء الشخصي في بلد يعاني من أزمات اقتصادية خانقة. على الحكومة أن تدرك أن الشعب لم يعد يحتمل هذا الاستفزاز المستمر لمشاعره. القضية لا تتعلق فقط بالذنيبات أو بشركة الفوسفات، بل تتعلق بمنظومة تحتاج إلى إصلاح جذري لضمان عدالة توزيع الموارد وإنهاء ثقافة الاستقواء على المال العام.