التصعيد العنقودي في أوكرانيا يُظهر تناقض واشنطن
عماد نصير
يُظهر قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بمدِّ أوكرانيا بالقذائف العنقودية، حجم التناقض الأمريكي الذي بات جليًا فيما يتعلق بملف الأسلحة المحرمة دوليًا.
أمريكا في اليوم ذاته الذي أعلنت فيه تخلّصها من مخزونها من الأسلحة الكيميائية، تتخذ قرارًا بتسليم مخزونها “العنقودي” لكييف، وهو المخزون ذاته الذي راجت تقارير، منذ العام 2016، بأن واشنطن تسعى إلى التخلص منه.
القنابل العنقودية، وهو مصطلح يطلق على حاوية أو قذيفة تحوي العشرات أو حتى المئات من القنابل الصغيرة، تستطيع كل قنبلة إحداث تفجير مدمر بمساحة 10 أمتار مربعة، إلا أن انتشار هذه القنابل التي تحملها القذيفة الواحدة يكون عشوائيًا، ويغطي مساحات واسعة بحسب طريقة وارتفاع زاوية الإطلاق، وهو ما دعا المنظمات الحقوقية إلى مطالبة واشنطن بعدم تزويد كييف بهذه السلاح الفتاك.
قنابل تحتاج إلى أرض أو جسم صلب ترتطم به لتنفجر، ولكنها تبقى عالقة في الطين أو في الأتربة أو حتى بين أغصان الأشجار دون انفجار، لتكون بمثابة لغم ينتظر ضحية تلمسه، وغالبًا ما تكون من المدنيين، وهو ما دعا إلى إبرام اتفاقية أوسلو التي أقرت، منذ العام 2010، على حظر إنتاج وتخزين الذخائر العنقودية، إلا أن أبرز الدول الكبرى لم توقع على الاتفاقية، ومن بينها أمريكا، وروسيا، وحتى أوكرانيا.
ويأتي قرار بايدن الذي وصفه بـ”الصعب” ليشكل منعطفًا مهمًا في الطريقة الأمريكية لتزويد كييف بالسلاح، والتي كانت تروج بأنها تهدف لتمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها، لكن السلاح العنقودي الجديد هجومي بحت، وقد يمهد الطريق لتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية جديدة.
هذا السلاح “اللاأخلاقي”، لم تجد إدارة بايدن أي حياءٍ لتزويد كييف به، رغم الانتقادات الدولية لمثل هذا القرار، والذي يأتي في ظل تململٍ من قِبل بعض الحلفاء من حجم الدعم الممنوح لكييف في حرب يبدو أنها ستطول.
وزير الدفاع البريطاني، بين والاس، قالها صراحة للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي الذي لا ينفك عن طلب المزيد والمزيد من السلاح: “بريطانيا ليست متجر أمازون لتوصيل الأسلحة إلى أوكرانيا.. على الأوكرانيين إبداء الامتنان للحلفاء”.
واشنطن التي أقرت قانون قيصر، لمعاقبة دمشق بعد اتهامها باستخدام السلاح الكيميائي ضد مسلحي المعارضة وارتكاب جرائم حرب، تُهدي كييف القنابل المحرمة دوليًا لتستخدمها ضد روسيا.
ويا ترى ما الموقف الرسمي الأمريكي، في حال استخدمت كييف هذا النوع من السلاح لضرب أهداف مدنية في بيلغورود الروسية المحاذية لحدودها؟.
الرد الروسي على القرار الأمريكي – حتى الآن – جاء كما كان متوقعًا، فموسكو كذلك تملك مخزونًا لا بأس به من القذائف العنقودية، وبهذا القرار، تعطي واشنطن الضوء الأخضر للروس لاستخدام هذا السلاح وعلى نحو واسع.
قرار أمريكي، يؤجج الصراع، ويزود آلة الحرب بالوقود اللازم لتستمر بحرق الأخضر واليابس، ويفتح الباب، على مصراعيه، لمزيد من الاحتمالات والتكهنات، حول مدى صبر موسكو على الدعم الغربي الذي تتلقاه كييف، فالانتكاسات الروسية على الأرض الأوكرانية يعلم بوتين جيدًا أنها صناعة الناتو، واليوم بدأت واشنطن التخلّي عن خطوطها الملونة تجاه دعمها العسكري لكييف.