طائفة الآميش .. ببساطتها وثباتها .. ما فيش

Husam2 مارس 2022آخر تحديث :
طائفة الآميش .. ببساطتها وثباتها .. ما فيش

افاق الاخبارية

طائفة الآميش .. ببساطتها وثباتها .. ما فيش

بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه

أرسل لي زميل الدراسة ورفيق العمر الذي أحترم شخصه وقيمه الدكتور / علي إشتيان المدادحة ، فيديو فاجأني ، عن طائفة (( الآميش )) ، التي لم أسمع بها من قبل . وإرتأيت انه يستحق النشر والتعليق لتعميم الفائدة ، وأخذ العِبرة .

طائفة الآميش ، طائفة لا يستمعون للموسيقى ، ولا يستخدمون الهواتف . لك ان تتخيل مجتمعاً متشدداً ، لا يرتدي افراده السراويل ، ولا يحملون الهواتف ، لم يركب أحدهم سيارة في حياته ، ولم يتصفح أحدهم الإنترنت مطلقاً ، ولا يشاهدون التلفزيون ، لا بل لا يعرفون شيئاً عن الكهرباء ابداً . لن تصدق اين تعيش هذه الطائفة المتشددة جداً ، قطعاً لا تعيش هذه الطائفة في افغانستان ، ولا في مجاهل افريقيا . في الواقع ان هذه الطائفة تعيش وتتواجد في وسط اكثر المجتمعات تطوراً وحضارة وانفتاحاً ، لا بل إنفلاتاً ، نعم ، إنهم يقطنون في أمريكا وكندا .

وكأن الزمن توقف عند هذه الطائفة منذ مئات السنين . بدأت قصة الآميش في القرن السابع عشر الميلادي ، على يد رجل الدين السويسري / جيكوب أمان . الذي تعرض هو واتباعه للإضطهاد الديني بسبب افكاره . فاضطروا للهجرة الى امريكا وكندا ، اللتان كان يسودهما التسامح الديني في ذلك الوقت . عمِل الآميش في الزراعة والتجارة ، لكن بالرغم من تطور المجتمع وتغير عاداته ، حافظ مجتمع الآميش على عاداتهم ومعتقداتهم ، وكأن الزمن توقف عندهم ، فرفضوا التكنولوجيا ، وأصروا على صُنع كل شيء بالطريقة التقليدية ، لدرجة انهم يتنقلون على الخيول حتى يومنا هذا . وإذا نظرت الى ازيائهم ، فانك تعتقد أنك في موقع تصوير لفيلم يصور الحياة في القرون الغابرة . فمنذ هجرتهم في القرن السابع عشر لم يغيّروا ملابسهم أبداً . فالشباب والرجال يلبسون سراويل زرقاء من الكتان ، وتبقى تلك السراويل مرفوعة فوق الخصر بأحزمة من قماش تتدلى من فوق الأكتاف ، ويعتمرون قبعات صوفية سوداء شتاءاً ، وقبعات من القش صيفاً . أما النساء ، فيرتدين ملابس فضفاضة ، ويلتزمن بارتداء غطاءٍ للرأس . وبسبب تعاليمهم الدينية ، لا يشرب الآميش الخمور ، ولا يستمعون للموسيقى ، ولا يرقصون . كما ان إقامة علاقات خارج إطار الزواج مرفوض بتاتاً ، ويلتزمون بالفصل بين الجنسين ، الا في حالات قليلة جداً ، بإشراف الكبار ورجال دين الآميش .

يعيش الآميش حياة منعزلة تماماً عن مجتمعهم . فلا يمتلكون بطاقات شخصية ، ولا يلتحق اطفالهم بالمدارس والجامعات أبداً . كما لا يَقبلون بالمعونات الحكومية ، ولا يشاركون في الإنتخابات ، وقد يدفعون الضرائب ، لكنهم لا يَقبلون أخذ اي راتبٍ تقاعدي تقدمه لهم الدولة ، لان ذلك كله يتعارض مع تعاليم تفسيرهم للإنجيل ، المسمى عندهم بالأوامر القديمة . كما يعتبرون الهواتف والكهرباء من المحرمات عندهم ، بل انهم حرّموا اقتناء السيارات ، فما زالوا حتى اليوم يتنقلون على الخيول . كما ان بيوت الآميش لا يوجد بها أجهزة تلفزيون ، او راديو ، او إنترنت ، او آلات تصوير ، لأن تصوير الوجوه محرّمٌ عندهم .

ويؤمن أتباع طائفة الآميش ان أية مصيبة او امراض او كارثة مناخية او طبيعية تُحيق بهم هي إبتلاءٌ من الله تعالى . لذلك لا يَقبلون تدخل الحكومات المحلية لدراسة اسباب الكوارث ، او منع انتشار الأوبئة والأمراض ، لان ذلك يتعارض مع قانون الله في الأرض حسب إعتقادهم .

يقود مجتمع الآميش مجموعة من رجال الدين وكبار السن ، ولهم مجلسٌ للفتوى ، يُصدِر الفتاوى ، لإرشاد الأتباع ، لفعل ما هو حلال ، وينهاهم عمّا هو حرام في شرعهم . أما عقوبة من يخالف تعاليم الآميش ، فهي المقاطعة من جميع أفراد الطائفة ، بمن فيهم أقرب المقربين اليه كعائلته . بالرغم من كل ذلك ، يمتاز الآميش بانهم متسامحون ، ويرفضون العنف ، ولا يسعون أبداً لفرض معتقداتهم الدينية على غيرهم . ويمتاز مجتمع الآميش بالتسامح ، والتكافل الإجتماعي ، والترابط الأُسري ، ويهرع الرجال والنساء منهم لمساعدة بعضهم البعض في مناسبات عديدة مثل : بناء البيوت ، وفي الأفراح والأتراح . أما نسبة الجريمة عندهم فتكاد تكون (( صِفراً )) . ويعود كل ذلك الى التربية (( الآميشية )) ، التي تحرص على رفض اية مظاهر للجشع او الطمع ، او التكبّر او الإستعلاء . لان الطائفة تهتم بغرس قيم التواضع ، والتسامح ، والقناعة في نفوس ابنائها ، لدرجة انه لا يوجد بيع ولا شراء فيما بينهم ، حيث يأخذ كل منهم حاجته من محاصيل أخيه الآميشي ، من غير جشعٍ او طمع .

وهنا سؤال هام يطرح نفسه : هل تعتقد ان الآميش يفعلون الصواب !؟ أم انهم متشددون كثيراً !؟

ما أروعها من طائفة ، ليس بسبب رفضها للحداثة ، وانما لإصرارها وثباتها ومحافظتها على معتقداتها وهي في وسط خِضَمِّ سيل جارف من التغير والتطور والتقلّب . ثبات مُذهل حقاً ، ويستحق الإحترام حتى ممن يختلف معهم . ويزداد الإعجاب بهذه الطائفة عند مقارنة مجتمعاتنا العربية بها ، حيث نلهث وراء البِدع وتقليد المجتمعات الأخرى في كل شيء ، حتى عُدنا لم نكن نحن ، ولا ننتمي لعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا ، حتى أصبحنا كما الغُراب الذي حاول تقليد مِشية الحمامة ، فلم يتقنها ، وود العودة لمِشيته ، ولم يتمكن لانه نسيها ، ف ( تعرقل ) وتعثر وسقط ، كما سقوطنا …. وآااااااأسفاه . وأختم بأبيات للشاعر / جميل صدقي الزهاوي :-
بادتْ شعوبٌ لا تريدْ / وإذا أرادتْ لا تبيدْ
والناسُ إما سادةٌ / لهم الإرادة او عبيدْ .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه