السياسات العامة أدلة ومنهجيات

Stocks1 ديسمبر 2021آخر تحديث :
السياسات العامة أدلة ومنهجيات

افاق الاخبارية

بقلم : خالد الوزني

للسياسات العامة للدول أدلة توضِّح مسارات عمل السياسات ومنهجية تطبيقها، ومستويات المسؤولية المعنية بتطبيق تلك السياسات، بما في ذلك أدلة تفويض الصلاحيات، والدورات المستندية، سواء أكانت ورقية أم رقمية. ويجب أن تنسجم أدلة السياسات العامة مع الهوية الآنية والمستقبلية للدول، وأن تتطوَّر تلك الأدلة بشكل مستمر لتعكس، من جهة، التوجهات المستقبلية، بما في ذلك استشراف

المستقبل القريب والبعيد للسياسة الاقتصادية، وتحدِّد، من جهة أخرى، مستوى الرشاقة في تطبيق وإقرار السياسات العامة، وخاصة في مجال خطوات ومراحل إنجاز المعاملات، ومجال تحديث وتطوير الإجراءات والسياسات العامة للدولة. والأمثلة كثيرة اليوم على توجُّهات الدول نحو تطوير وتحديث سياساتها، عبر تطوير وتحديث تشريعاتها، بما يتواءم والتوجُّهات العالمية القائمة على

التحوُّل نحو فضاء الرقمنة والتقنيات المتقدمة، والتطبيقات الذكية، والبيانات الكبرى، وفضاء الابتكار والإبداع والريادة. وقد فرض وباء كورونا، كوفيد 19، ومتحوراته المتعددة، مسارات عمل جديدة، تقوم أساساً على اعتماد سياسات عمل عن بُعد، أدّى الكثير منها إلى زيادة الإنتاجية، والحفاظ على حركة الأسواق، بل وفي كثير من الأحيان، بوتيرة أسرع مما كان عليه الأمر سابقاً. وفي

هذا السياق، على سبيل المثال، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً بالإعلان عن تطوير وتحديث ما يزيد على 40 قانوناً وتشريعاً، لمواكبة التطورات العالمية في سياق تبسيط أدلة السياسات العامة، من جهة، وللتعامل بشكل أفضل مع التطورات والآثار الجانبية الدائمة للجائحة الحالية، من جهة ثانية. وبالتطبيق على سياسات المالية العامة، وفي خضم انشغال الاقتصادات العالمية

بإعداد موازنات العام 2022، فإنَّ أدلة السياسات تحتّم اليوم إعادة النظر في منهجية تحديد أبواب الإنفاق، الثابتة والمتغيرة، ومنهجية توقعات الإيرادات العامة، وبالتالي منهجية التعامل مع محصلة الموازنة، أي العجز أو الفائض المالي. وتشير أدلة السياسات الحصيفة في هذا المجال إلى ثلاثة محاور أساسية؛ الأول تشجيع الإنفاق الرأسمالي القائم على مشاريع الشراكة الكبرى

مع القطاع الخاص المحلي والخارجي، وعدم الإصرار على المشاريع الرأسمالية التقليدية التي تُخفي ضمن بنودها مبالغ كبيرة من الإنفاق الجاري. المحور الثاني يقوم على وضع أدلة عمل مالية تشمل إعادة هندسة مالية، أساسها إعادة تخصيص النفقات دون مجاملة، بعيداً عن مسلمات سيطرة بعض أوجه النفقات على حجم الميزانية، وكأنَّ نفقات الأجور والتعويضات ومصاريف التقاعد هي من يتم إعداد الموازانات من أجلها، وما تبقى هي بنود مالية لاستكمال تركيب الموازنة، الهندسة المالية يجب أن تؤدي إلى

تخطيط مالي، ضمن أدلة عمل، لتوجيه الإنفاق إلى المشاريع الأكثر أهمية، وليس لرصد المبالغ لصالح النفقات الدائمة الجامدة، غير القابلة للتخفيض أو المراجعة. أمّا في جانب الإيرادات، والتي تقوم أساساً على التوقُّعات المستقبلية، فإنَّ العماد الأساس لها لا يعتمد على المنهجية التقليدية في توقع تنمية الإيرادات التقليدية الضريبية وغير الضريبية، وإنما في التخطيط لايرادات مستدامة عبر

مشاريع الشراكة ذات العائد الاستثماري، والتخلُّص تدريجياً من فِكر المساعدات والمنح، غير المضمونة، والتي تحمل كُلف غير مالية معروفة، مقابل تحويل تلك المساعدات إلى مشاريع استثمارية مشتركة وذات عوائد على الطرفين. وأخيراً وليس آخراً، فإنَّ محور أدلة عمل سياسات المالية العامة يُحتِّم التخطيط للمديونية الجديدة، ليس بمفهوم قيمة المطلوب لتغطية العجز المالي القادم، وإنما بمفهوم التخطيط لمصادر اللجوء للمديونية، وأوجه إنفاق ذلك الدين، وتخطيط إمكانيات السداد الآنية والمستقبلية لتلك

المديونية. وأخيراً، على المُخطِّط أن يعلم أنَّ تحييد خطر المديونية، القائمة والمستقبلية يحتِّم بداية التوقُّف عن الاستدانة الخارجية لغايات تمويل نفقات جارية، أو عجز جارٍ، مع الاكتفاء مؤقتاً بالمديونية المحلية، وفي حدود الاحتياج فقط، على أن تنحصر المديونية الإضافية، الخارجية والداخلية، في مشاريع استثمارية تنموية، ذات عوائد مستدامة على الاقتصاد والمجتمعات، وبالتالي

الإحجام عن السعي إلى تلك الأموال ما لم ترتبط بمشاريع شراكة، أو مشاريع الهندسة المالية. الإبقاء على أدلة سياسات، ومنهجية عمل، تقليدية في المالية العامة، يساعد على بناء موازنات أقل جهداً في التخطيط والإعداد، بيد أنه لا يؤدي إلى سياسات تنموية، موجَّهة نحو نمو متوازن، أو تنمية موجَّهة للتعامل مع تحديات الاقتصاد ومتطلبات أولوياته.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه