منبر الكلمة

شركاء في النتائج… لا بد أن نكون شركاء في القرار

 

عدنان نصّار

في كل مجتمع يسعى إلى النهوض، تتكرّر معادلة تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في عمقها جوهر العدالة والنجاح: من يشارك في صنع القرار هو الأقدر على تحمّل نتائجه.
فالقرارات التي تُتخذ في غرف مغلقة، مهما كانت نياتها حسنة، تظل ناقصة لأنها لم تُختبر بآراء أصحاب المصلحة الحقيقية ، أولئك الذين يعيشون تفاصيل الواقع ويعرفون أثر القرارات قبل أن تُنفّذ.

لا يمكن أن نُحاسب الناس على نتائج لم يكونوا شركاء في صناعتها، تمامًا كما لا يمكن أن نطلب من العامل الالتزام بخطة لم يُسأل عنها، أو من المواطن الدفاع عن سياسات لم يُتح له نقاشها. المشاركة في القرار ليست شعارًا ديمقراطيًا يُرفع في المناسبات، بل ضرورة لبناء الثقة واستدامة الإنجاز.

في مؤسسات الدولة، كما في المدارس والمصانع والجامعات، تتّسع الفجوة كلما احتكر القرار طرف واحد. حين يُقصى الموظف من مشهد التخطيط، يتحوّل العمل إلى واجبٍ روتيني بلا روح. وحين لا يسمع المعلم صوته في السياسات التعليمية، يفقد حماسه تجاه مهنةٍ يفترض أنها رسالة. وحين يشعر المواطن أن قرارات مصيرية تُفرض عليه دون تشاور، يبدأ الانفصال الصامت بينه وبين الشأن العام.

إن الشراكة في القرار تصنع الانتماء، والانتماء يولّد الالتزام، والالتزام هو الطريق الأضمن للنجاح الجماعي. فالمؤسسات التي تُشرك أفرادها في التفكير، تُثمر إبداعًا ومسؤولية. والمجتمعات التي تفتح أبواب الحوار، تبني تماسكها قبل أن تبني إنجازاتها.

لقد أثبتت التجارب في كل مكان أن الإدارة الأفقية القائمة على التشاور والمشاركة تحقق نتائج أكثر استدامة من الإدارة العمودية التي تُصدر الأوامر من الأعلى. فالعقل الجمعي، حين يُحفَّز ويُحترم، ينتج قرارات أكثر واقعية وعدلًا، لأن كل طرف يرى الصورة من زاويته ويضيف إليها.

المشاركة لا تعني الفوضى، ولا تُلغِي القيادة، بل تُعيد تعريفها. القائد الحقيقي ليس من يقرّر وحده، بل من يعرف متى يُصغي، ومتى يتنازل، ومتى يحتضن فكرة من غيره. فالقرار الجماعي لا يُضعف السلطة، بل يقوّيها بالشرعية والمصداقية.

نحن في زمنٍ لم تعد فيه السلطة وحدها قادرة على فرض التغيير، بل صار النجاح يقوم على الثقة والتواصل والتشارك. وحين تكون القرارات ملكًا للجميع، تصبح النتائج مسؤولية مشتركة، ويصبح النقد وسيلة للتصويب لا للهدم.

فلنكن شركاء في القرار، لا لأننا نطلب مكانة أو وجاهة، بل لأننا نؤمن أن النتائج العادلة لا تُبنى إلا على قرارات عادلة. فالشراكة ليست خيارًا إداريًا، بل حقًّا إنسانيًا، وحين ندرك ذلك سنبني مؤسساتٍ ومجتمعاتٍ قادرة على النهوض، لأننا ببساطة سنكون جميعًا شركاء في الطريق، لا متفرجين على النهايات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى