الفكر الاقتصادي في عصر الذكاء الاصطناعي

د.عدلي قندح

هناك اعتقاد بدأ يسود حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الفكر الاقتصادي بما لديه من قدرة على إعادة تشكيل مختلف جوانب ومفاهيم الاقتصاد. فيمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاجية عن طريق أتمتة المهام الروتينية وتقليل الأخطاء وتحسين الكفاءة. وهذا له آثار على النمو الاقتصادي، حيث تؤدي زيادة الإنتاجية في كثير من الأحيان إلى زيادة الإنتاج وتحسين مستويات المعيشة. ومع ذلك، تنشأ مخاوف بشأن الاستبدال المحتمل للوظائف والحاجة إلى مهارات جديدة للتكيف مع متطلبات سوق العمل المتغيرة.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعطل أسواق العمل عن طريق أتمتة وظائف وظيفية معينة، مما يؤدي إلى تحولات في أنماط التوظيف. إنه يخلق تحديات وفرصًا، حيث قد تصبح بعض الوظائف قديمة، بينما تظهر وظائف جديدة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وتنفيذها وصيانتها. ويحتاج صناع السياسات والاقتصاديون إلى فهم هذه الديناميكيات ومعالجة التفاوتات المحتملة التي قد تنشأ بسبب الاستقطاب الوظيفي.

ويتيح الذكاء الاصطناعي تحليل مجموعات البيانات الكبيرة ويوفر رؤى قيمة لعمليات صنع القرار. ويمكن أن يعزز ذلك التنبؤ الاقتصادي وتحليل السوق وتقييم المخاطر وتخصيص الموارد. ويتم تكييف النماذج الاقتصادية لدمج استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين الدقة والفعالية.

كما ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تعزز كفاءة السوق من خلال معالجة كميات هائلة من المعلومات، وتحديد الأنماط، وتحسين تخصيص الموارد. على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات التداول المدعومة بالذكاء الاصطناعي تنفيذ المعاملات بسرعات عالية ، مما يحتمل أن يحسن السيولة ويقلل من تكاليف المعاملات. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن التلاعب بالسوق وإمكانية أن تؤدي الأنظمة التي يحركها الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم التقلبات المالية.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على توزيع الدخل ويؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية. في حين أن الابتكارات التي يقودها الذكاء الاصطناعي يمكن أن تخلق فرصًا وثروة جديدة، إلا أنها قد تركز أيضًا المكاسب الاقتصادية في أيدي عدد قليل من الأفراد أو المنظمات. وتعتبر معالجة هذه التفاوتات وضمان النمو الشامل امورًا مهمةً في الفكر الاقتصادي.

كل ذلك يتطلب من صانعي السياسات والاقتصاديين تكييف الأطر والسياسات التنظيمية مع تنامي الذكاء الاصطناعي. فالأسئلة المتعلقة بالخصوصية وإدارة البيانات وحقوق الملكية الفكرية والمسؤولية أصبحت ذات أهمية متزايدة. وهناك من يعتقد أنه يجب أن يتطور الفكر الاقتصادي للنظر في التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل سياسة المنافسة وتنظيم سوق العمل والاعتبارات الأخلاقية، وغيرها. والسؤال الذي يطرح هو: هل ما يزال الفكر الاقتصادي الكلاسيكي مستمر وفعال ليومنا هذا؟

الجواب المباشر على هذا التساؤل هو: نعم. على سبيل المثال، ما تزال أفكار آدم سميث مستمرة في الحفاظ على أهميتها حتى في عصر الذكاء الاصطناعي. على الرغم من تقدم تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل كبير منذ عهد سميث، إلا أن العديد من أفكاره تظل قابلة للتطبيق في فهم الديناميكيات الاقتصادية والمجتمعية. فلا يزال مفهوم سميث لتقسيم العمل، حيث يتخصص الأفراد في مهام محددة، ذا صلة بفهم مكاسب الكفاءة الناتجة عن التخصص والتقدم التكنولوجي، بما في ذلك تلك الموجودة في الذكاء الاصطناعي.

وما يزال مفهوم سميث عن “اليد الخفية”، حيث يمكن أن تؤدي أعمال المصلحة الذاتية في السوق الحرة إلى منفعة مجتمعية شاملة، ليكون موضوعًا للنقاش في علم الاقتصاد. فالأمر يتعلق بكيفية قيام قوى السوق، بما في ذلك تلك المتأثرة بالأنظمة التي يحركها الذكاء الاصطناعي، بتشكيل النتائج الاقتصادية.

اما فيما يتعلق بالمنافسة في السوق، فقد أكد سميث على أهمية المنافسة في دفع الابتكار والنمو الاقتصادي. وفي عصر الذكاء الاصطناعي، يمكن للمنافسة بين الشركات التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي أن تحفز التقدم، وتحسن المنتجات والخدمات، وتفيد المستهلكين.

كما وقد كان فهم سميث للاقتصاد متجذرًا بعمق في الفلسفة الأخلاقية وأهمية المشاعر الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية من خلال كتابه “نظرية المشاعر الأخلاقية” الذي صدر عام 1759، والذي ركز فيه على الجوانب الأخلاقية للسلوك البشري، وهو عمل سبق كتابه الذي اشتهر به “ثروة الأمم” الذي صدر عام 1776. فما يزال تركيزه على التعاطف والإنصاف ودور الأخلاق في التفاعلات الاقتصادية وثيق الصلة بالمناقشات حول الآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، مثل القضايا المتعلقة بالتحيز الخوارزمي وتأثير الأتمتة على العمال.

فبينما يقدم الذكاء الاصطناعي تحديات وفرصًا جديدة، توفر أفكار آدم سميث التأسيسية إطارًا لتحليل وفهم الظواهر الاقتصادية، بما في ذلك الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية التي تصاحب التقدم التكنولوجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى