الخديعة الذهنية الكبرى

Stocks1 مارس 2020آخر تحديث :
الخديعة الذهنية الكبرى

الدكتورة لبنى بشارة

أمام هشاشة معارفنا المستقاة من التجربة والملاحظة تضيع نصف الرؤية، ليواجه الباقي منها الإدراك الشحيح فنحظى برؤىً معاقة، يُنقَذُ منها الندرة التي تخرج من ذاك التحدي الفردي إلى تحدي المحيط لتكون ما بين الشك العقيم وجمود النظرية الجرسي الهيكل الذي يلغي الحالات المتطرفة -ومنها الإبداعية-  لتضيع ديناميات التفكير وتغدو عالقة في مصيدة الخديعة الذهنية الكبرى…

ننطلق من تساؤلات عامة وهي: هل نحن في مرحلة العشوائية (فقدان التخطيط والتنظيم والتشريع الملائم وبالتالي الإدارة العشوائية)؟ ، أم في مرحلة الإدارة المبنية على مؤشرات غير مجدية؟، أم التخطيط المبني على الاستقراء والاستنباط وبالتالي نتوجه لمصيدة الخديعة الذهنية الكبرى؟

نتجاوز التساؤل الأول في اعتبارات أن المقرر -على الصعيد الشخصي أو المهني العام- لديه خبرة ومعرفة تخصصية تناسب مهامه لنركز على ضرورة توافر كليهما للقرارات ذات الأثر الواسع، فنعبر خندق هشاشة المعرفة، ليعتقد هؤلاء وفي أي حقبة زمنية أنهم يمتلكون القدرة على تفسير الظواهر وإدراك القضايا وبناء حلول خارج مجالهم الشخصي والمهني، ولن تتشابك وتولد أزمات -ضمن الأزمة الأم- مع مقررين آخرين أو متأثرين غاضبين، لنتخطى هنا فجوة الإدراك المترافقة مع الأنا الممنوحة من السلطة، إذ أن توفر ما سبق من شروط أي مقرر.

لنقف عند التساؤل الثاني: هل نحن في مرحلة الإدارة المبنية على مؤشرات غير مجدية؟ أي يوجد قاعدة وأساس للعمل لنتابع وفقه القرارات لكنه غير دقيق أو مطوّر أو كافٍ أو شامل وبالتالي غير مجدي، وهذا يدل على أن عملنا في السابق كان أفضل ولم نرقى به لينسجم مع المتغيرات الحالية حيث تعتبر الشروط المذكورة في التساؤل الأول عناصر مساهمة في تردي مستوى الواقع الحالي عن السابق لنتخبط في سلسلة غير مكتملة ومنسجمة من العمل الإداري.

وبالتطور في الحالات السابقة ننتقل إلى الإدارة المبنية على التخطيط وفقاً للاستقراء والاستنباط؛ إن العشوائية غير المنظمة في الحياة والمجتمع لايندرج عليها استخدام الاستقراء والاستنباط اللذين يقدمان المبادئ العامة لبناء الفهم وليس للاستفادة من فرص أو مواجهة تهديد، فمثلاً استخدامنا لنهج الإدارة والإعلام والحياة الاقتصادية .. في ظروف ما قبل الأزمة لا تخدمها معلومات الاستقراء والاستنباط والسلاسل الزمنية السابقة للتنبؤ بما سيحدث أو لتحديد الواقع الحالي إلا لمعرفة عوامل محددة وليس لبناء الإطار العام حتى، وبمثال آخر في المجتمعات المستقرة: ظهور التكنولوجيا – تغير مناخي- فتح علاقات دولية – وغيرها…

إذ أن الاستقراء والاستنباط يولدان نتائج مقبولة أكثر لذهنية الفرد، ونظراً لأن الطبيعة البشرية غالباً تميل إلى ماتعرفه سابقاً، ولديها أحكام يقينيّة عامة مسبقة، وتسعى للقياس مع حالات تعتقدها مشابهة – وهي كذلك فقط في جزء من العناصر-، يصبح الفرد أكثر انجذاباً لاستخدام هذين الأسلوبين لأن أية حالة أو فكرة فريدة أو غريبة عن هذا السياق قد تواجه بنقض وتشكيك الآخرين، وتدخل حالة الشك العقيم.

فإذاً أين تكمن مصيدة الخديعة الذهنية الكبرى؟ تكمن في استبعاد الحدث ( أو الظرف أو العنصر) غير العادي (أو العرضيّ أو غير المألوف) لنؤكد وننحاز إلى التقيد في الخرائط والنماذج الرياضية لاتخاذ القرارات (التي يستخدمها المتقدمون في المعرفة) فهي غير خاطئة عموماً  لكن من الصعوبة تحديد متى وأين تكون خاطئة باستثنائها للعناصر العرضية، كي نقع في وهم التخطيط، وهذه العناصر قد تكون مؤشرات لــ (انهيار في أي مجال، أو بلوغ اختراع أو وباء أو تحول تاريخي ….)  فهي تمثل فرصة يجب استثمارها وبالتالي قد تتطلب تغييراً راديكالياً في الاستراتيجيات المتبعة.

وللخروج من هذه المصيدة هناك عدة عوامل مساعدة تتطلب من المُقرر الاستجابة لها ومنها:

– عدم استثناء الحالات المتطرفة لأنها قد تمثل فرصة نجاح أو تهديد انهيار وتتغير كامل الاستراتيجة وفقاً لها (أي الخروج من الشكل الجرسي للأحداث ودراسة العناصر المتطرفة والشاذة).

– عدم التثبّت بأحكامنا على أنها يقينيّة.

– عدم الانحياز لتوجهنا.

– توسيع مداركنا بمشاركة آراء تخصصية وغير تخصصية أخرى عند القرارات الهامة لشمولية الرؤية.

– عدم القياس فالتماثل مع قصص أخرى لأنها تختزل عوامل قد تكون محورية في تباينها الموقف الحالي.

– عدم تبني مصطلح مفرغ كفقاعة (دون تحديد إمكانية وشروط التنفيذ وآثارها).

– عدم الاعتماد على موظف وحيد أو مورد وحيد (أي لا تضع البيض كله في سلة واحدة).

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه