الفقراء : البسطاء .. الأنقياء .. الأتقياء .. الشرفاء

Stocks5 ديسمبر 2021آخر تحديث :
الفقراء : البسطاء .. الأنقياء .. الأتقياء .. الشرفاء

افاق الاخبارية

الفقراء : البسطاء .. الأنقياء .. الأتقياء .. الشرفاء

بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه

معظم الفقراء بسطاء ، أنقياء ، أتقياء ، شرفاء ، يمتهنون الشقاء ، يتعلّقون برب السماء ، ورضاه بالنسبة لهم ضياء ، يضيء لهم ظُلمة نَهارِهم قبل لَيلِهم ، وهم يسعون في مَناكِبها ، باحثين عن لقمة حلالٍ ، حتى ولو في حاوية ، من فُتات تخلّص منه الأثرياء . والعجيب أنهم سعداء ويكتفون بلقمة مغموسة بالشقاء ، وينامون ملء العين من التعب والإعياء . فلا حسابات في البنوك ، ولا إستثمارات ، ولا شركات ، ولا تحايل على أنظمة وقوانين ، ولا تهرُّب من جمارك وضرائب ، ولا يخدعون وطنهم ويتحايلون بعمل ميزانيتين ، واحدة واقعية وحقيقية وأرقامها صحيحة تماماً تبين الأرباح الفاجرة ، وتبقى سِرّية جداً ، وشخصية ، والأخرى تبين أرباحاً بالكاد تَسِدُّ الرَمَق ، هذا ان لم تكن خاسِرة ، للخداع ، وسلب حق الوطن .

إنتشر فيديو بسيط جداً ، لكنه مؤلم جداً ، وبنفس الوقت عظيمة قيمتة جداً . هذا الفيديو يتضمن لقاءاً تلقائياً مع سيدة بسيطة ، وطيبة من مصر العروبة الحبيبة ، سيدة عظيمة بقيمها واخلاقها وعفتها وصبرها ورضاها بلقمتها المغموسة بشقائها وهي تحمل كيساً على ظهرها الحاني ، الذي تقوس بفعل الشقاء ، وقهر الزمان ، وعزة نفسٍ متفردة في هذا الزمان . ومُذيع إنسان ، مذيع لطيف ، مذيع مشهور ، اتابعه منذ زمن ، راقي القيم ، مذيع لبق ، متواضع ، وإنسان ، مذيع الفقراء والمعوزين والمحتاجين ينتقيهم من سيماهم التي تُظهر الفقر والطُهر . هذا المذيع الانسان انحنى بكل لطف وادب امام سيدة ستينية هدها التقدم بالعمر ، وشقاء الدهر ، ودار بينهما الحوار التالي :- [[ السلام عليكم ، ترد السيدة — نعم انها سيدة السيدات ليست كالمزيفات — سيدة العفة ، سيدة الصدق ، سيدة الشرف ، الذي لم تستغله للترف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . إزيك يا حجه ؟ عامله إيه ؟ الحمد لله . بُصي يا حجه ، إحنا عاملين مسابقة عايزينك تشاركي فيها معانا ، ولو جاوبتي تكسبي . ضحكت وقالت : لا يا عمي ، انا ماااا .. وهمّت بالانصراف وهي متأبطة كيساً على ظهرها ، إستني ، إستني . لا يعمي انا ما اعرفش في الحاجات دي . يمكن تعرفي تجاوبي ؟ اعرف اجاوب على أيه يا إبني !؟ طيب أسألك السؤال يمكن تجاوبي !؟ إتفضل قول . ماشيء يا حجه . بنقول : أشهد ان لا اله الا الله !؟ كررت واكملت : واشهد ان محمداً رسول الله . هذا كان السؤال يحجه . ضحكت بطيبة متفردة ، وقالت : طيب !؟ قال : شوفي جاوبتي إزاي !؟ ردت : لا ، ده لما الواحد بصلي بيقول كده يا حبيبي . الله يباركلَك يا ابني ، ده بس من زوقك وانسانيتك ، انت راجل طيب ، وأمير ، قالتها بصوتٍ متهدجٍ ، أجش ، وهي تحاول ان تداري دمعتها ، ورِقة نفسيتها ، قال : الله يكرمِك يا حجه . وقالت : عاوزه الدنيا كلها تبقى حلوه . قال : عشان انتِ حلوه والله ، والله على شان انتِ حلوه . الله يكرمك ، الله يحفظك ، وهنا طفح مظهر القهر ، فتحول الصوت الأجش الى دُميعات ، يقطرن حُزناً ، وقهراً ، ومعاناة . كم عندك سنة يا حجة ؟ عندي ( ٦١ ) سنة . وبتشتغلي أيه ، ردت بافتعال ابتسامة ممزوجة بحزنٍ يهِدُ جِبالاً وإشارت الى. الشوال الذي تحمله على ظهرها الحاني ، وهي تعاني ، وقالت : شُغلتي دِيَّتْ . ربنا يدكي الصحة ، والله انتِ ست زي القمر ، وقلبك نظيف وأبيض . الله يخليك يا ابني ، الله يبارك لك . حانشوف كم كسبتي معانا في المسابقة ؟ مش انتِ جاوبتي على السؤال !؟ على قد حالي يا ابني . أيوه وكسبتي معانا يا حجه . نشوف مع بعض !؟ الله يبارك لك يا ابني ، ايوه نشوف مع بعض . كسبتي ( ٣,٠٠٠ ) جنيه . الف مبروك . الله يبارك لك يا ابني . وابت المعاناة الا ان تشق طريقها عنوة وتتساقط دمعات العفة المجبولة بالفقر والحاجة والعوز ، ربنا يكفيك شر المرض يا ابني ، وهنا أتت الحِكمة الممزوجة بالعفة والرضى بما قسم الله :- [[ والله انا مش باصه على الدنيا يا ابني ، انا باصه على الآخره يا ابني ، والحساب ، الدنيا مِنفاته ، ورايحه ، مهما تلِم ، ومهما تضُم منفاته ورايحه ، ما دايمش الا ربنا سبحانه وتعالى ، بس يحوش غضبه ومقته عَنِّنا ]] . كلمات من عمقها رغم بساطتها الا ان إنسانيته ألجمت قدراته كمذيع محترم . وبعد ان استجمع قواه التي شَلّْتها انسانيته وقال : والله يا حجه عندك ايمان مش عند ناس كثيره والله ، واعتُصرت العذابات بدمعات ، وعاودت تأكيدها : [[ لا والله انا مش باصه على الدنيا ، لانه ان طالت ، والا قصّرِت فايتينها ، زايله ، مش الواحد يفرح بالمال ، كله زايل ورايح ، ما دايم الا هو ، وجه الله الكريم ، وحيحاسبنا على الكبيرة وعلى الصغيرة ، يعني البني آدم مش أهم حاجه يجمع فلوس ، يجمع تقوى ، يجمع ناس يحبها ، يحب الناس ، يحب الخير للناس ]] .

ماذا عساني ان أقول !؟ وقد أُصِبتُ بالذهول من هذه السيدة المصرية العربية الأصيلة المؤمنة الصابرة المثابرة لالتقاط لقمة عيش مغموسة بالشقاء والعفة ، وليس الراحة والخفة . ومع كل هذه البساطة ، وهذا الايمان التلقائي الرصين ، تخاف الله وتخشاه ، وترجوه العفو والغفران . ماذا تكون قد اقترفت !؟ وهي لذكره وتقواه إنصرفت ، حتى في بحثها عن لقمة عيشها عبادة . ماذا تكون ذنوبها !؟ … لله در أصالة المعدن ، وحُسن المَخبر رغم بؤس المظهر ، يتجلى الرقي ، وترتقي الانسانية ، بتاج العفة وطُهر السلوك .

وأختم مكرراً العنوان : معظم الفقراء بسطاء ، انقياء ، اتقياء ، شرفاء . بينما معظم الأثرياء معقدون ، جشعون ، حاقدون ، حاسدون ، لا قيم ولا دين ، وجه الواحد منهم كالشيطان الرجيم . يلهثون ، ويجمعون ، بين الحلال والحرام لا يفرقون ، وفي النهاية كل ما جمعوه يتركون ، لولد فاسق ، فاجر يبدده على الفجور ، والسهر ، وينتهي به الحال الى فقر في العيش ، وفقر في القيم فلا كسب دنيا ، ولا ربح آخره ، وهذه آخرة واجبة الاستحقاق لكل من لا يتقِ الله ويراعيه في كل حركاته وسكناته وما تجني يداه . دمعتي حرى ، على كل ما جرى ، ويجري ، لإبناء وطني العربي الحبيب من إفقار ، وقهر ، وذل ، وتكميم افواه ، وهم يستحقون الاحترام ، والعيش بكرامة ، وإباءٍ ، وعزة . لعن ربي كل مسؤول فاجر رخيص لآهٍ عن ناسه ، وتسبب بشقاء أبناء جِلدتي وأهانهم واذلهم وهم ابناء عزٍّ وإباءٍ وكرم .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه