منبر الكلمة

الميلاد… حين يعلّمنا الله المحبة والسلام

 

عدنان نصّار

حين تقترب أعياد الميلاد المجيدة، لا يمرّ الحدث في الأردن كطقس ديني معزول، بل حالة وجدانية عامة، تستدعي في الذاكرة الوطنية معنى أن نكون معًا، وأن يبقى الإنسان هو القيمة العليا التي لا يعلو فوقها أي اختلاف.
في هذه الأيام، تتخفف الشوارع من صخبها المعتاد، وتزداد القلوب انفتاحًا، كأن الميلاد يذكّرنا بما ننساه في زحمة الحياة: أن الفرح حين لا يُشارك يفقد معناه، وأن الأوطان لا تُقاس باتساع جغرافيتها، بل باتساع صدورها لأبنائها جميعًا.
في الأردن، لم تكن أعياد الميلاد يومًا مناسبة تخص المسيحيين وحدهم، بل محطة وطنية يتقاطع عندها الديني بالإنساني، والخاص بالعام. هنا، تُقال التهاني ببساطة، وتُعلَّق الزينة دون أسئلة، لأن العيش المشترك لم يكن شعارًا طارئًا، بل ممارسة يومية ترسّخت مع الزمن.
لقد شكّل المسيحيون الأردنيون، عبر تاريخ الدولة، جزءًا أصيلًا من الحكاية الوطنية؛ شركاء في البناء، وفي الدفاع عن فكرة الوطن، وحاضرين في التعليم والطب والثقافة والإعلام والعمل العام. لم يكن حضورهم عددًا يُحصى، بل أثرًا يُرى، ودورًا يُحترم، وانتماءً لا يحتاج إلى إثبات.
وفي جوهر الميلاد، تقف رسالة إنسانية خالدة، عبّر عنها السيد المسيح عليه السلام بقوله:
“«الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»
وهي مقولة تتجاوز الزمان والمكان، وتخاطب جوهر الإنسان، وتعيد تعريف القوة والمحبة لا بوصفها غلبة، بل قدرة على صنع السلام في عالمٍ يتقن الصراع أكثر مما يتقن الرحمة.
في زمنٍ تمتلئ فيه الشاشات بصور الحروب، وتضيق فيه اللغة من كثرة الكراهية، يبدو الميلاد تذكيرًا صامتًا بأن النور، مهما كان صغيرًا، قادر على مقاومة العتمة، وأن المحبة ليست خطابًا عاطفيًا، بل موقفًا أخلاقيًا، ومسؤولية يومية تجاه الآخر.
ويمضي الأردن، وسط إقليمٍ مضطرب، محافظًا على نموذجه الخاص في التعايش، نموذج لا يُستعار من الكتب، بل يُصاغ من وعي الناس، ويحميه الوعي ومحبة الله منذ البداية بأن صون التعددية الدينية هو صون لكرامة الإنسان، ولتماسك الدولة، ولمعنى العدالة.
إن تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد ليست مجاملة اجتماعية، بل تأكيد على شراكة وطنية راسخة، وعلى إيمان مشترك بأن الأعياد، مهما اختلفت تسمياتها، تلتقي عند قيمة واحدة: أن يكون الإنسان أخًا للإنسان، لا خصمًا له.
في هذا العيد، نتمنى أن يحمل الميلاد دفئه إلى القلوب المتعبة، وأن يكون العام القادم أقل قسوة، وأكثر عدلًا، وأن يبقى الأردن، كما عرفناه، وطنًا يتسع للجميع، وتبقى فيه المحبة أقوى من الخوف، والسلام أصدق من الضجيج.
كل عام ومسيحيو الأردن والعالم بألف خير،
وكل عام والميلاد رسالة نور ومحبة،
وكل عام والأردن بخير… بأهله جميعًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى