منبر الكلمة

الحجايا يكتب : “محمد الرقاد… سيرةُ رجلٍ لا يغيب”

الكاتب مطلق الحجايا

هناك رجالٌ يمرّون في تاريخ الأوطان كما يمرّ الضوء في العتمة؛ لا يُحدث ضجيجًا، لكنه يُبقي المكان منيرًا حتى بعد رحيله. رجالٌ تبقى سيرتهم العطرة في الذاكرة، لا لأنهم طلبوا المجد أو سعوا وراء الأضواء، بل لأنهم عاشوا من أجل وطنٍ واحد، وتركوا خلفهم ما يشبه العطر الذي لا يزول.

من بين هؤلاء الرجال محمد الرقاد—مدير المخابرات الأسبق—رجلاً لم يلتفت يومًا إلى مصلحةٍ تخصه، ولم يُسجَّل عليه شائبةٌ تُعكّر نقاء مسيرته.
كان يعرف أن خدمة الوطن شرفٌ لا يُباع ولا يُشترى، وأن المسؤولية ليست منصبًا يُتزيَّن به، بل عبءٌ يُحمل على الكتف وقلقٌ يسكن القلب حتى آخر يوم.

خمس سنواتٍ مرّت على رحيله، وما زال الناس كلما ذُكر اسمه رفعوا أكفّهم بالدعاء وقلوبهم بالوفاء، وكأنهم يقولون: “هكذا يكون الرجال… وهكذا تبقى السير الطيبة حيّة”.
لم يغادر الذاكرة، لأن الرجال العظماء يغادرون الدنيا إلى القبور، لكن خصالهم ومواقفهم وأفعالهم تظلّ حيةً في الصدور، تتردد في المجالس، وتُروى في اللحظات التي يحتاج فيها الناس إلى مثالٍ يعيد الثقة بأن الوطن لا يزال بخير.

لم يكن محمد الرقاد رجلًا عاديًّا؛ كان ابن عشيرة يعرف ثقل النسب، ورجل دولة يعرف ثقل الأمانة.
في فتراتٍ صعبة مرّت بها المنطقة، وقف ثابتًا، يحرس بوابة الأردن بضميرٍ يقظ، وعينٍ لا تنام، وصمتٍ مدروس لا يبحث عن بطولة.
امتلك هيبة الهدوء، وقوة القرار، وصدق الانتماء الذي لا يحتاج إلى خطابات.

يبقى الرقاد من تلك الشخصيات التي تُذكّرنا بأن الوطن لم يقم على الحجر فقط، بل على رجالٍ صادقين حملوا همّه، ودفعوا من أعمارهم لأجل أن يبقى آمنًا، مستقراً، راسخًا. وحين رحل، رحل جسدًا فقط، أما أثره فباقٍ يتنقّل بين القلوب كأنّه وصية رجُل أحبّ وطنه بصمتٍ نادر.

في الذكرى الثامنة لرحيله، يبقى الدعاء له واجبًا، والحديث عنه وفاءً، واستحضار سيرته تذكيرًا بأن الأردن كان وما زال غنيًّا برجاله الذين لم يتبدّلوا أمام المناصب، ولم يبيعوا مواقفهم، ولم يتركوا إلا أثرًا نظيفًا يليق بتاريخهم وتاريخ وطنهم.

رحم الله محمد الرقاد… وجعل سيرته الطيبة نورًا لا ينطفئ في ذاكرة الأردن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى