المحامي محمد ابراهيم مطالقة- الخبير القانوني في القضايا العقارية
يتّجه مجلس النواب لمناقشة مشروع قانون ضريبة الأراضي لعام 2025 وسط وعود حكومية بأنه سيُساهم في تنظيم السوق العقاري والحد من الاكتناز. غير أن الواقع يكشف عن بنود مثيرة للجدل، تفرض أعباءً جديدة على المواطنين، وتهدد بخلق أزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة.
بحسب مشروع القانون، تُفرض ضريبة سنوية على الأراضي غير المستغلة داخل حدود التنظيم، دون الأخذ بعين الاعتبار توفر البنية التحتية أو إمكانية البناء. ووفق تقديرات أولية، قد تتراوح الضريبة بين 3 إلى 10 دنانير لكل متر مربع، ما يعني أن مالك دونم واحد قد يواجه التزامًا ضريبيًا سنويًا بين 3,000 و10,000 دينار، وهي مبالغ تفوق قدرة معظم الأسر الأردنية.
اللافت أن القانون لا يفرّق بين أرض جاهزة للبناء وأخرى تقع في مناطق غير مخدومة أو تعاني من قيود تنظيمية. وعليه، تصبح الضريبة عقوبة على المواطن بدلًا من كونها أداة تنظيمية، ما يدفع الكثيرين نحو بيع أراضيهم لتجنب الضريبة، في ظاهرة يُتوقع أن تؤدي إلى هبوط حاد في أسعار الأراضي يصل إلى 30% ببعض المناطق.
القطاع العقاري الذي يعاني من ركود مزمن منذ أكثر من سبع سنوات، مهدد بمزيد من الجمود، وهو ما سينعكس سلبًا على المقاولين والمكاتب الهندسية وحتى البنوك. ورغم ما يُقال عن محاربة الاكتناز، يؤكد خبراء أن أكثر من 60% من الأراضي غير المستغلة لا تُركَن لأغراض المضاربة، بل بسبب كلفة البناء المرتفعة وضعف التمويل وتباطؤ منح التراخيص.
من الناحية القانونية، تتزايد الانتقادات حول تعريف “الأرض” في القانون الجديد، الذي يشمل جميع الأراضي داخل حدود البلديات، سواء داخل التنظيم أو خارجه، ما يُوسّع نطاق الضريبة بشكل غير مبرر. كما سُجّل غياب شبه كامل للإعفاءات للفئات الأكثر هشاشة، مثل كبار السن، ذوي الدخل المحدود، الأراضي الزراعية، الوقفية، أو ذات القيمة التراثية.
ويمنح المشروع صلاحيات واسعة لوزير الإدارة المحلية، ما اعتبره قانونيون مخالفة صريحة للدستور، إضافة إلى غياب التدرّج في التطبيق، واعتماد آلية اعتراض ضعيفة تتيح فقط فرصة واحدة للطعن، حتى في حالات الملكيات المشتركة أو النزاعات.
بيت المتنبي “يا أعدلَ الناسِ إلّا في معاملتي، فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ”، يبدو وكأنه خُلق لوصف هذا القانون. الدولة هنا تضع القواعد، وتفرض الجزاء، وتُحدد من يعترض ومتى، بينما المواطن يواجه مصيره منفردًا.
الإصلاح لا يكون عبر الضغط، بل من خلال التوازن. وتنمية المحافظات لا تأتي بفرض ضرائب عشوائية، بل بإعفاءات عادلة، وخطط واقعية، وشراكة حقيقية مع المواطنين.
الأرض ليست مجرد رقم في سجلات الدولة؛ إنها حق، وأمان، ومستقبل.