كلمات النواب .. نوائب لغوية
عوض ضيف الله الملاحمة
جاء مجلس النواب الحالي وحظي بتفاؤل بعض المواطنين ، لاسباب عديدة منها :— ١ )) انه جاء بعد عملية الإصلاح السياسي . ٢ )) كون غالبية اعضائه جاءوا من الأحزاب ، خاصة الأحزاب التي تأسست حديثاً ، حيث ان بعضها لم تبلغ العامين من العُمر ، وينقصها الكثير من التجربة والخبرة التراكمية .
اما اللغة العربية فحدث ولا حرج . حيث لم نبحث عن بلاغة بالقول ولا فصاحة ولا عمق في التعبير الذي يفترض ان يكون وجوده بديهياً بمن يمثلون الشعب ، وهم الحلقة الأقوى في الدستور الأردني . لقد ذُبِحت لغتنا العربية العظيمة ونُحرت على منصة الخطابة في مجلس النواب . حتى حروف الجر — التي يمكنها ان تجر شاحنة بحمولة ( ٥٠ ) طناً ، لم يرأفوا بها ، ولم يحترموا دورها وفِعلها اللغوي البديهي ، فأهانوها وجردوهاً من صلاحياتها وفعلها اللغوي . لم نطالبهم بالحديث باللغة العربية الفصحى ، أبداً ، ولا حتى بالفصيحة الأسهل ، والأبسط ، ومع ذلك تفننوا في جر المرفوع ، ورفع المجرور .. وغيرها . حتى انهم لم يلجأوا الى التسكين ليتفادوا غالبية أخطائهم اللغوية المُعيبة ، ويبدو ان غالبيتهم لم يعرفوا القاعدة اللغوية التي تقول — سَكِّنْ تَسْلَمْ — فأطاحوا بلغتنا الجميلة ، لغة القرآن الكريم ، لغة يتحدث بها اكثر من ( ٤٠٠ ) مليون عربي ، ذبحوها ، ونحروها ، وشوهوها ، وأهانوها . أستغرب لماذا لم يطلبوا ممن يكتبوا لهم كلماتهم بأن يشكِّلوا الكلمات لهم باللون الأحمر !؟
أما الصياغة ، وبناء الجملة ، والربط بين الجمل ، والتسلسل السلس بين المواضيع المطروحة ، فهذا يدعو للخزي . اما المصطلحات السياسية والاجتماعية ، والثقافية، والإقتصادية.. وغيرها ، فانها تشي بجهل أكيد عند البعض ، وفراغ فكري معيب ، وثقافة غائبة .
اللغة هي وسيلة للتفاهم والتواصل ، فاذا لم يتقن النائب هذه الوسيلة ، كيف له ان يوصل ما يريد الى المتلقي بدقة في التعبير ، يضاف لها الكياسة ، واللباقة ، والثقافة ، والمعرفة ؟
فكيف لنائب ان يتمكن من لعب دوره الدستوري بكفاءة وإقتدار اذا لم يكن مثقفاً ، بالإضافة لكونه متخصصاً ، هذا اذا كان متخصصاً في اي حقلٍ من حقول العلم والمعرفة . وهنا أورد أبسط تعريف لوصف المثقف : المثقف هو من يعرف شيئاً عن كل شيء .
وعليه انصح بعض النواب بما يلي : —
١)) تشكيل الكلمات باللون الأحمر .
٢)) اذا لم يتمكن من الإلتزام بالتشكيل عليه اللجوء للتسكين لتجنب الوقوع في نسبة غير يسيرة من الأخطاء اللغوية .
٣ )) ان يلجأ لأصحاب الإختصاص في كل مجال مثل : السياسة ، والإقتصاد ، والإجتماع ، والمالية ، والثقافة .. وغيرها من المواضيع التي يرغب بان تتضمنها كلمته لضبط المصطلحات ، والتعريفات ، والتمكن من الربط بين المواضيع المطروحة .
٤ )) ان لا يُقحِم نفسه بما لا يعلم ، حتى يتجنب الوقوع في الحرج .
٥ )) من تصعب عليه العربية الفصحى ، ان يتجنبها تماماً ، ويلوذ باللغة الفصيحة ، واذا صعُبت عليه ، فله ان يذهب الى اللهجة الأردنية ، وللعلم هي من اقرب اللهجات العربية للفصحى ، مستنداً الى دراسة علمية اجراها ، الأستاذ الدكتور / عبدالواحد لؤلؤه ، أستاذ الأدب الإنجليزي الذي درسني في جامعة بغداد خلال الأعوام ( ١٩٧١ — ١٩٧٥ ) . حيث كان يستغل العطلة الصيفية وكان في كل عطلة يذهب الى بلدٍ عربي ويعيش في الأرياف ليدرس اللهجة المحلية المحكية ويقارنها باللغة العربية الفصحى .
إسلوب التعبير ، والتمكن من اللغة ، وفهم متعمق للموضوع الذي ينوي النائب ان يطرحة للحوار من احد المسؤولين ، إضافة للكياسة ، واللباقة ، ومعرفة أداب الحوار ، تسهل على النائب توصيل مبتغاه للمتلقي ، بل وهذا التمكن يهيء المسؤول للتجاوب ، ويحترم المتحدث ، ويكون مهيئاً لسماعة اذا كان بدون نشوز ، ويهيئ المسؤول للإستجابه . اما اذا كانت اللغة ضعيفة ، والتعابير غليظة ، والكلمات فضة ، والصوت عالٍ وأجش ، فان هذه كلها عناصر منفرة .
لله درك يا وطني الحبيب ، فقد ضربك التراجع والإنحدار في كل مفاصلك ، حتى وصل لممثلي الشعب ، الذين يفترض ان يكونوا الحلقة الأقوى في الدستور وإدارة الوطن . هذا المستوى المتدني هو نتاج قانون الإنتخاب الذي لا يتناسب معنا ، الذي شتت الشعب الأردني وادى لتناحره ، وتباغضه ، وسقوط بعض افراده ببيع كرامتهم بدنانير معدوده سعياً للقمة عيش مغموسة بشيءٍ من كرامه .