الطبيب .. والمِبضع .. وسُمِّية الدواء
عوض ضيف الله الملاحمة
سبحان الله العلي القدير ، الشافي المُعافي . سبحانه الذي خلق الداء والدواء . سبحانه جلّت ، وتجلّت قدرته العظيمة .
الطبُّ عِلمٌ إنسانيٌ عظيم . الطبُّ هو أرقى وأعقد وأهم العلوم . الطِبُّ له قُدسية خاصة متفردة . كيف لا وهو الذي بواسطته يشفى الإنسان من غالبية الأمراض .
تُسَلِّم روحك وحياتك لإنسان مثلك مثله ، لكنك تجهل علمه وقدراته ، وتوقِع له على اوراق إعدامك ، بل قتلك ، فيسعى سريعاً الى ان يُنيمك ، بل يُميتك لساعات ، وبمجرد ان تتحول الغفوة الى نوم بل موت شبه حقيقي ، يستعجل ان يُعمِل مِبضعه بجسدك ، فيشقه ويمزقه ، ويستأصل ما يشاء ويراه ضرورياً من اعضائك واحشائك ، ويصبح جسدك ممزقاً ، ودمك ينزف ، وتنفسك قد غاب وانقطع واستبدله بجهاز ( ينفث ) بل ينفخ في جثتك الهامدة الهواء ، ثم يعود الى رتق ما فتق منك ، ويُخيط جراحك وكأنه يُخفي فعلته ( وإجرامه ) وافعال مبضعه الحاد كالشفرة ، وبعد الرتق ، يُعقِم جراحك ، ويعيد اليك أنفاسك ، ويعمل جاهداً هو وطاقمه الذي شاركه وعاونه وستر على جريمته وفِعال مبضعه ، وبعد دقائق او ساعات ، تستفيق على صوته وتربيت يده العظيمة الحانية على كتفتك ويمسح على وجهك ، وتصحو على سماع صوته وهو يُقدِّم لك التهاني بالسلامة ، وانت بالكاد تسمع صوته ، وتفهم مقصده . فتعود للحياة ثانية ، وقد شُفيت وتخلصت من آلامك ، وعدت إنساناً طبيعياً مُنخرطاً في خِضمِّ حياتك وتفاصيلها .
وما ان تشفى تماماً ، وانت تهِمُّ بمغادرة المستشفى ، تُسلّم عليه بحرارة ، وتشكره على انه ساهم بشفاءك ، وتنظر اليه كمنقذ ، خلّصك من معاناتك ، واعاد اليك حياتك بعون الله وبجهده الإبداعي المتفرد . سبحان الله الذي جعلك توقع لرجل على موتك طائعاً مُختارا ، وتشكره على انه أعمل مبضعه في جسدك بل جثتك ، وأسال دمك ، ومع ذلك تشكره على فعلته التي تبدو إجرامية لو اقدم عليها من هو ليس بطبيب ، لكن فيها كل الشفاء والعافية لان الفاعل إنسان ، عبقري ، متميز ،لأنه طبيب .
ومن ناحية اخرى تبدو مختلفة وسهلة ببعدها عن استخدام المبضع ، يأتيك المرض ، ويطرد النوم من عينيك ، وانت تتأوه ، وتتألم ، وتنقبض اعضاء جسمك ، وتهاجمك الحرارة المرتفعة التي تُشعرك كأنك على مرجل ، وما ان يطلع النهار ، تمر الساعات عليك ثقيلة وكأن الدقيقة دهراً ، وكأن على صدرك صخرة ، وترتعد اطرافك ، وتذهب مسرعاً لطبيب لمعالجتك . فتذهب لهذا الانسان الذي لا يتردد بعد ان يقوم بفحصك وتفحص جسدك ليكتب لك عدداً من انواع السموم القاتلة ليشفيك مما فيك . ولا تغادر العيادة الا بعد ان تعبر له عن شكرك وامتنانك . سبحان الله ، الذي جعلك تُقدِم على شكر من وصف لك سموماً قاتلة لتتناولها .
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العلي العظيم الذي سخّر لعباقرة الناس من علماء وأطباء ان يحولوا السموم الى ادوات شفاء .
الطب مهنة إنسانية عظيمة . والأطباء هم علماء ملائكة على هيئة بشر . لولا وجود الاطباء لانهارت الاوطان . لان المجتمع يصبح مُعتلاً ، مريضاً ، اغلبه عاطل عن العمل ، ويكون الغالبية عالة على الوطن والمجتمع ، مما يؤثر على انتاجية الوطن ، فينخفض الناتج الاجمالي الوطني ، وسيموت الكثيرون باعمار مبكرة وهم في عز الشباب . قد يقول البعض ان الاعمار بيد الله ، وهذا أكيد ، لكن ربنا سبحانه وتعالى وسيدنا محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم قال : إعقل وتوكل لأنه ليس من الاسلام في شيء ان نتوكل على الله ونركن الى توكلنا فقط ، بل علينا ان نأخذ بالاسباب ، ثم نتوكل على العلي العظيم .
وأختم بعدد من الأبيات المتفرقة عن مهنة الطب والأطباء :—
— قال الشاعر الدكتور/ محمد نجيب المراد ، في قصيدة عنوانها ( الطبيب ):—
هو الطِبُّ المباركُ من قديمٍ / رجاهُ الناسُ إحساناً فجادا
فيا هذا الطبيبُ اليك شِعري / على ( التمييزِ ) نصباً والمنادى
لقد شُرِّفتَ عن ( غيرٍ ) كثيراً / كما رمضانُ شُرِّف عن جُمادى .
— وقال الدكتور الشاعر / وائل جحا في ديوان سحر البيان :—
يسمو الطبيبُ اذا ما كان ذا خُلُقٍ / بالعلمِ بعد جمالِ الروحِ يتصِفُ
إذا أتاه مريضٌ يشتكي وَجِلاً / ببسمةٍ مِنه كلُّ الخوف ينصرِفُ
لا لا تُعامِل مريضاً حسبَ رُتبتهِ / فما الفقيرُ عن المسؤولِ يختلِفُ
إنّ الطبيبَ أمينٌ في رِسالتهِ / فإن أبى فعظيم الذنّبِ يَقترِفُ .
— وآخر بيتين اخترتهما من قصيدة طويلة لأن لهما صلة قوية بالموضوع :—
وكلُّ مُحاربٍ في الطبِّ يبقى / على الأيامِ أكرَمنا جهادا
أليسَ المِبضعُ الحاني صلاحاً / وكان بنظرةٍ أخرى فسادا .