إنتاج المعرفة.. قرار سياسي

Stocks15 ديسمبر 2020آخر تحديث :
إنتاج المعرفة.. قرار سياسي

افاق الاخبارية

بقلم : خالد الروسان

لطالما ألقت النخب الثقافية العربية، اللوم في تراجع ونكوص الأمة وفشل مشروعها النهضوي على قضية العقل العربي، وبنية تفكيره تاريخياً واجتماعياً، وقد استفاض الكثير منهم في هذا، وحَمّلت معظم الأطروحات الثقافية العربية التي ناقشت هذه القضايا، عناصر كالتراث، وما يسمى الجمود الفقهي، ورحلة العقل العربي التاريخية وغيرها، المسؤولية عن ذلك.

لقد تم نتيجة لهذا التشويش على الشعوب والمجتمعات العربية بتحميل بناها الاجتماعية وثقافتها التاريخية وزر ما حصل، في حين أنّ الأمر ليس هكذا أبداً، فالأزمة ليست في العقل العربي، وإنّما في القرار العربي، كما قال بذلك المفكر العربي الدكتور محمد جابر الأنصاري، فمن المعروف أنّ إنشاء المؤسسات المعرفية من جامعات ومعاهد وأكاديميات ومؤسسات ومراكز بحثية هو قرار سياسي رسمي، تسبقه إرادة سياسية حقيقية ورؤية واضحة وشاملة تقوم بترجمتها على أرض الواقع المؤسسات الحكومية التنفيذية، يشاركها في ذلك القطاع الخاص الخاضع لقوانينها وقراراتها، وما دمنا لا ننتج المعرفة ولا نملك مؤسساتها، فلن يحصل عندنا تقدّم يُذكر، فالأزمة هي في الواقع العربي ومعطياته وليست في عقل إنسانه.

من ينظر اليوم على سبيل المثال، لتجربة ما يعرف بالدول الصاعدة كالصين والهند والبرازيل والمكسيك وماليزيا وجنوب إفريقيا وتركيا وكوريا وغيرها، يجد أنّ قرار إنتاج المعرفة كان سياسياً بالدرجة الأولى، حيث تم توفير البنى التحتية العلمية والفنية اللازمة، ودعمها بكل الطرق، وفُرّغ الآلاف من الأساتذة الجامعيين لأغراض البحث العلمي، وخُصصت ميزانيات مالية ضخمة لهذه التوجهات، وسُنت قوانين وتشريعات تواكب هذا الأمر، وأُسست أنظمة إدارية وأجهزة بيروقراطية تخدم هذه العملية وتُسهّلها، فكانت النتيجة بالتالي إحداث ثورة معرفية ضخمة، نتجت عنها نهضة علمية وصناعية واقتصادية كبرى، حيث أُنشئت آلاف المصانع والمعامل والشركات والمدن الصناعية والتكنولوجية وغيرها، ولم نسمع كلاماً مثل وجود خلل أو أزمة في العقل الكوري أو الصيني أو البرازيلي أو غيره، وإنّما كانت هناك سياقات ومناخات موضوعية توفرت لهذا العقل فأنتج وأبدع.

أمّا قضاء عشرات السنين في توجيه الاتهامات من قبل النخب العربية للإنسان العربي بالعجز عن الإبداع والابتكار وإنتاج المعرفة بسبب عقله وتكوينه التاريخي والاجتماعي، فهو ظلم وحرف للحقيقة عن مواضعها، فها هي العقول العربية المبدعة والخلّاقة متواجدة في أعرق المؤسسات العلمية والتكنولوجية والطبية والسياسية والاقتصادية والإدارية الغربية، وبعضهم بالمناسبة تخرج في جامعات ومعاهد عربية، فأين هي الأزمة إذن؟
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه