الجيش والثقافة والفن

Stocks27 أغسطس 2020آخر تحديث :
الجيش والثقافة والفن

الجيش والثقافة والفن

بلال حسن التل

كتاب “زيد بن شاكر من السلاح إلى الإنفتاح” هو مذكرات سمو الأمير زيد بن شاكر, كما روتها زوجته السيدة نوازد الساطي, مليء بالمحطات التي تستحق وقفات طويلة للتأمل في دلالاتها, ولفهم أسباب قوة الأردن ومنعته, وكيف بُنيت وماهي ركائزها, وما هو دور الجيش في ذلك كله, لكنني سأتوقف اليوم أمام خمس محطات بينها ناظم واحد ولها دلالات كبيرة.
المحطة الأولى جاء فيها ( اتصل وصفي بزيد, في عام 1971 قبل أشهر من استشهاده وكان رئيساً للوزراء, وطلب من زيد الحضور مع الحسين إلى الإذاعة, كما حضر القائد العام للقوات المسلحة وقتها المشير حابس المجالي, وقد ظن زيد أن هناك أمراً خطراً أو طارئاً, وعندما عاد (الحسين وزيد) كانا يضحكان, إذ كان سبب الدعوة هو تسجيل تلك الأغنية). “أغنية تخسه يا كوبان”.

المحطة الثانية جاء فيها ” في إحدى زياراتنا للعاصمة النمساوية فيينا, حرص زيد على تفقد أفراد بعثة موسيقات القوات المسلحة الذين يتلقون التدريب هناك, ومتابعة تطور قدراتهم”.
المحطة الثالثة جاء فيها ” وفي عام 1977 بادر زيد إلى دعوة المطربة اللبنانية والعربية الكبيرة فيروز وفرقة الرحابنة لتقديم مسرحية “بترا” الموسيقية بتمويل من القوات المسلحة, ويروي العرض المسرحي الذي قدم في احتفالات ذكرى تأسيس الجيش العربي, قصة تجمع بين الحرب والتضحية والكرامة, لملك الأنباط دفاعاً عن مدينته الوردية “البتراء” جنوب الأردن, حيث سادت وامتدت من هناك حضارة الأنباط العرب قبل الميلاد”.

أما المحطة الرابعة فتروي فيها السيدة نوزاد كيف أن الأمير زيد أشرف بنفسه على بناء تصميم “صرح الشهيد”, يوم كانت ثقافة المتاحف جديدة على الأردن, وقد أراد سموه أن يكون الصرح متحفاً يخلد شهداء الجيش وبطولاته وتاريخه.
أما المحطة الخامسة فتحكي كيف تولى سموه الإشراف على بناء نصب الجندي المجهول, في موقع الكرامة, ليظل شاهداً على يوم النصر والشهادة الذي سطره أبناء الجيش العربي, وللتأكيد على بناء هذه التقاليد الثقافية والحضارية في دور الجيش, وعلاقة الجيش بالمجتمع والتراث الوطني.

إشارة السيدة نوزاد لهذة الوقائع، تعكس المستوى الحضاري الذي يتصف به الأمير زيد وأسرته، أما الناظم بين
هذه الوقاىع الخمس فهو الثقافة والفنون, ومدى اهتمام الدولة الأردنية بهما, بما في ذلك الجيش الأردني, وهي درجة من الاهتمام كانت تجعل من رأس الدولة ورئيس وزرائها وقادة جبيشها الاجتماع للاستماع إلى أغنية قبل بثها للجمهور, وهذه ممارسة تعكس رؤية حضارية متقدمة كان يتمتع بها رجال الدولة, كما تعكس مدى اهتمامهم ببناء الروح المعنوية الوطنية, مثلما تعكس مدى اهتمامهم ببناء الذائقة الفنية الجمعية, لذلك كله كان الاهتمام بالثقافة والفنون يمثل أولوية متقدمة للدولة الأردنية, فكان لدينا أسرة مسرح, وفرق للفنون الشعبية, ومواسم ثقافية مدروسة بعناية, وتميزت أغنياتنا الأردنية وصار لدينا متاحف وصروح للشهداء, وقد ساهم ذلك كله ببناء جبهة داخلية قوية ومتماسكة, ومجتمع يتمتع بروح معنوية عالية قادرة على الصمود والتحدي مندفعة للبناء, فلما تراجع اهتمام حكوماتنا بالثقافة هبطت روحنا المعنوية, وضعفت جبهتنا الداخلية وصار الإحباط سيد الموقف, فهل نبادر باستعادة ذلك كله وهل تكون قواتنا المسلحة هي الرائدة في ذلك؟.

Bilal.tall@yahoo.com

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه