هل ما يجري في لبنان ثورة أم تثوير أم حرب.. وعلى من؟

Stocks29 أكتوبر 2019آخر تحديث :
هل ما يجري في لبنان ثورة أم تثوير أم حرب.. وعلى من؟

فؤاد البطانية

ما يحدث في لبنان مهم جدا لاحتمالية خطورته، وسواء أسميناه حراكا او انتفاضة أو ثورة فإنه على درجة متقدمة وخارقة للعادة والمنطق ولا يمكن أن نقارنه أو نساويه بالانتفاضات أو الثورات الشعبية التي حدثت أو تحدث اليوم في أي دولة عربية أخرى، ولا أن نأخذه ونقبضه بشعاراته المرفوعة على أنه منتج وطني وللصالح الوطني الآمن من دون نقاش وتأمُّل لثلاثة أسباب بصرف النظر عن النوايا الحسنة التي نفترضها وهي بالتأكيد قائمة، فليس هناك من شعب يخون نفسه، ولكن استغلال واستخدام عفوية جموع الناس وتوجيهها مسألة موجودة ومعروفة.

ـ السبب الأول: أن لبنان المنشغل بهذه الثورة الشعبية العارمة والمميزة بزخمها وبملابساتها، يحتضن المقاومة التي جعلت من هذا القطر العربي العصي الوحيد على الاستباحة الصهيونية وأعجزت وتُعجز امريكا والصهيونية، وتشكل عامل تهديد للكيان الاسرائيلي، والعقبة الكأداء أمام سيرورة مشروع الشرق الأوسط الجديد. فلبنان اليوم الى جانب غزة من يشكل عبئا على اسرائيل وأمريكا. وبالتالي فإنه القطر الأول على سلم التغيير الصهيوني في وطننا وأخر قطر عربي على سلم استحقاق التغيير العربي المطلوب. ومعروف جدا بأن فشل اسرائيل وحلفائها في مواجهة حزب الله جعلهم يتبنون محاولات الفتنة الداخلية والحرب الأهلية كبديل. والمحاولات في هذا فشلت ولكنها لم تتوقف.

ـ الثاني: أن لبنان لا يحكمه نظام سياسي موجود في النظم السياسية، بل يُحكم من أمراء طوائف تشكل إقطاعيات تمتهن الطائفية السياسية المتفاهمة بالشأن الداخلي بمجلس وزراء قراراته بعدد مصالح ممثلي كتل الطوائف فيه، وبرئيس جمهورية يمثل بيضة القبان أحيانا، ولكل طائفة رعيتها تحصل على مكتسباتها وحمايتها وحضورها من اقطاعيتها السياسية، وتلتزم بتعليمات الأمير لحد بعيد. ولا يمكن لهذه الرعايا المتوزعة على تلك الاقطاعيات أن تخرج وتتوحد دون علم أو موافقة أمرائها، ولا أن تشكل شعبا واحدا أو جيشا بعقيدة واحدة أو هدفا واحدا كما نراه يتشكل في هذه الانتفاضة في لحظات. بل يمكن ذلك وفقط من خلال نظام ديمقراطي حقيقي بعيد عن الطائفية السياسية، وهذا محارب من مراكز قوى الطائفية في الداخل، ومن مراكز القوة الغربية الدولية. فأي نظام يُراد إسقاطه؟ حزب الله يشكل ثقل الدولة العميقة والناعمة والتي لولاها لكانت طريق اسرائيل سالكة الى لبنان، ولما نجا يوما واحدا من النفوذ الصهيوني المباشر.

ـ السبب الثالث: لا نقول إلا أن الصورة الشعبية المنتفضة في الشارع اللبناني وخطابها مشجعة جدا وحضارية ومدهشة جدا، إلا أنها لم تحصل أو تنجح في دولة عربية أخرى بهذا الحجم والتنظيم رغم أن شعوب تلك الدول أسوأ حالا اقتصاديا وحقوقا، وأكثر تجانسا وأكثر حاجة لمثل هذه الثورة. فبلدانهم وأنظمتها تعاني من النفوذ الأمريكي الصهيوني المباشر ومخططه في هذه المرحلة الحاسمة.

وهنا تفرض التساؤلات التالية نفسها، هل فعلا هبط الوحي على كل أو معظم رعايا الاقطاعيات الطائفية وانسلخوا عنها وعن أمرائها فجأة وتوحدوا؟ وهل هبط الوعي أو هبط تفعيل الوعي والقرار عليهم دفعة واحدة وبهذه البساطة دون تخطيط مسبق؟ ومن أين وكيف تم التنظيم الميداني الخلَّاق لاستمرارية وتعميم هذه الانتفاضة وتدويلها اعلاميا لتأخذ شكل الثورة الواعية والخلَاقة في ابتكاراتها في يومين، والأكثر من ذلك لماذا وقف الأمراء موقفا مؤيدا أو محايدا؟

لا أجيب على هذه الأسئلة وإنما أضعها كتساؤلات لعلَّها تجد الاجابة التي تجلي الصورة. ولا أطرحها لأشكك بانتفاضة اللبنانيين ولا بدوافعها فلست بصدد نظرية المؤامرة ولا يوجد شعب خائن، ولكني متوجس. فلا شك بأن هذه الإنتفاضة اللامسبوقة مهما كانت الفرشة التي تنام عليها لها أثر ايجابي بما تشكله من عدوى حميدة وحافزا لشعوبنا. لكن المسوغات غير مقنعة ولبنان في قلب صفقة القرن وعلى رأس قائمة الاستهداف الصهيوني في إعادة رسم خارطته السياسية التي لن تكون إلا لصالح اسرائيل وهدم لبنان وتسخيره للصهيونية. وحزب الله هذا يوم حاجة لبنان اليه فما الذي يجري

لست من الواثقين أو المؤمنين بأن إيران أو تركيا أو أي بلد مهما كان معاديا لاسرائيل سيأخذ يوما مهمة تحرير فلسطين عن العرب، ولا يهمهما أو يهم غيرهما تخلف العرب أو سحقهم عن بكرة ابيهم. وحزب الله حزب عقدي ديني جسمه عربي وهويته السياسية وقراره ايراني، وإيران لا تقدمه صدقة للعرب ولا لمصلحة العرب بل لنفسها، وإن تمَرَّد الحزب على ايران سيفقده قوة ردعه وتمويله وأسباب صموده. فالنظام المستقر في العالم هو الدولة القومية NATIONAL STATE”. ولم تعد الدولة الأيدولوجية السياسية أو الدينية قائمة. وأن العلاقات الدولية تُبنى على المصالح المشتركة الثنائية أو المتعددة الأطراف وعلى التكتلات التي تخدم الهدف الوطني او القومي وليست ايران أو غير ايران قادرة على أن تكون خارج هذا النظام.

ولكن علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وضمائرنا وواعين على المنطق السياسي والعسكري القائم الجاري في المنطقة ومخاضه بأبطاله وباتجاهه المعاكس لمصالحنا، ونعترف بأن البديل عن حزب الله في لبنان في هذا الظرف العربي والدولي هو اسرائيل، وإن ركائز الترحيب والتحالف معها في داخل لبنان موجودة وعليها تنافس. ومن يفضل اسرائيل على حزب الله أو ايران أو تركيا، لبنانيا كان أو عربيا هو خائن لنفسه ولبلده ولمعتقده ولعروبته وإنسانيته وليس من طينتنا بل من طينة العدو ويعامل معاملة العدو.

النخب اللبنانية والأحزاب القومية والوطنية الحرة وكل أحرار لبنان معنيين بدراسة الحالة اللبنانية الطارئه واتخاذ القرار للقيام بدورها الصحيح والمطلوب.

 ولا شك أننا ووطنا العربي معا نعيش ترجمة عملية لمقررات مؤتمر كامبل. وما كان لذلك أن يتحقق وما كان له أن يتعمق ويدوم إلا بوسيلة زرع الكيان الصهيوني في قلب وطننا. وكل تغيير لا يخدم إزالة هذا الكيان أو يتقاطع معه هو بالضرورة تغيير بالاتجاه المعاكس يجب مقاومته.

 كاتب وباحث عربي

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه