الأردن في الحرب.. بين فريقين!!

Husam17 يناير 2024آخر تحديث :
الأردن في الحرب.. بين فريقين!!

محمد حسن التل

منذ اليوم الأول لانطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، برز دور الأردن كدور ريادي على مستوى المنطقة والعالم، برفض العدوان وحماية المدنيين وإدخال المساعدات لغزة، ولعبت الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك عبدالله الثاني دورا أساسيا في تحول كثير من مواقف دول العالم المتشددة ضد الفلسطينيين ودعمها المطلق للحرب الإسرائيلية عليهم، إلى رؤية جديدة فيها عدالة وتوازن في المواقف، وتعدى ذلك بأن أصبحت دولًا كثيرة من هذه الدول التي كانت تتخذ موقفا متشددا بضرورة استمرار الحرب إلى موقف مختلف تماما وباتت تدعو إلى إيقافها والدخول في عملية سياسية تؤدي على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم.. والموقف الأردني هذا جاء كامتداد طبيعي لموقف الأردن التاريخي إزاء قضية فلسطين الداعي إلى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ودعم الفلسطينيين على كافة المحاور الدولية في هذا المطلب، إضافة إلى التحذير الملكي عبر السنوات الماضية من خطورة الوضع في فلسطين وأنه مؤهل للانفجار بأي لحظة نتيجة التعنت الإسرائيلي برفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين ومحاصرتهم في الضفة الغربية، والإمعان في القتل والتدمير، وسكوت المجتمع الدولي في معظمه على هذا الواقع، وللأسف وقع ما حذر منه الملك وكان السابع من أكتوبر وما تبعه من حرب أتت على كل أسس الحياة في غزة إضافة إلى السخونة المتزايدة في الضفة الغربية وما يحدث هناك من صدامات مستمرة بين الفلسطينيين والمستوطنين وجيش الاحتلال، ووقوف المنطقة على شفا حرب لو وقعت ستأتي على الاستقرار فيها، ناهيك عن الاغتيال الكامل لأي مسرب سياسي.

وتستمر الضغوطات الأردنية على المجتمع الدولي حتى يقوم بدوره بالضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها على الفلسطينيين والاعتراف بحقوقهم، وهذا هو جوهر الموقف الأردني.
الآراء على مستوى العاملين في الشأن العام في الأردن ينقسمون إلى عدة اتجاهات، ويتبنون مواقف مختلفة، والأبرز في ذلك أن فريقا يظهر مخاوفه من ارتفاع سقف الموقف الأردني وتشدده وأنه من الممكن أن تتأثر علاقات الأردن وتحالفاته في المجتمع الدولي، نتيجة هذا الموقف الحازم والمتشدد، فينعكس ذلك على مصالحه، في حين أن فريقا أخر يطالب الأردن بموقف أكثر تشددا ويطالبه بالمزيد من التصعيد واتخاذ إجراءات على الأرض ضد إسرائيل، واللافت في النقاش بين الرأيين أو بين الفريقين لمسة الصدام فأصحاب نظرية الحرص على مصالح الأردن يتهمون الفريق الثاني أنهم يريدون التضحية بالأردن، وعدم أخذ المصلحة الوطنية الأردنية بالحسبان، حتى تعدى الأمر إلى الحديث عن الوطنية والهوية، ويتهمونهم انهم يسعون الى السيطرة على الشارع مستغلين عواطف الناس ازاء ما يحدث في غزة في حين يتهم الفريق الآخر الطرف المقابل بأنهم يريدون عزل الأردن عن القضية الفلسطينية والتخلي عن دوره التاريخي والقومي والإسلامي، والأمر عندهم وصل لحد التخوين للأسف!!

الموقف الأردني كما يقول المراقبون المطلعون اتخذ على هذا النحو القائم بشكل مدروس وبحسابات دقيقة، وأنه اعتمد على الموقف الأردني الأساس من القضية الفلسطينية وحرصه على مصالح الفلسطينيين، وليس من هذا المنطلق فقط، بل لأن الأردن يدرك تماما أن حل القضية الفلسطينية مصلحة أردنية عليا، والتي شكلت له تحديًا على مدار عقود طويلة، وأن الأردن أخذ هذا الموقف أولًا مستفيدا من ثقة المجتمع الدولي بمصداقية الملك، وحرصه الصادق على تجنيب المنطقة صراعات تهدد الجميع، وأن الأردن زاد احترامه دوليا بموقفه هذا، كما أن الملك هو الأحرص على مصلحة الأردن ويعرف كيف يحافظ عليه، ويضيف هؤلاء المراقبون المطلعون أن الأردن لم يخرج بموقفه عن الموقف الدولي الذي يطالب بإقامة الدولة الفلسطينية وينادي بحل الدولتين والحفاظ على حياة الفلسطينيين ، كما أنه ضمن الموقف الدولي أيضا عندما يطالب بإفساح المجال أمام القيادة الفلسطينية بممارسة صلاحيتها دون الضغوط والعراقيل الإسرائيلية.

من جانب آخر يردد البعض أن الأردن بدأ يتعرض لأزمات اقتصادية نتيجة الحرب، والسؤال لو أن الأردن اتخذ موقفا غير موقفه هذا، هل كان سيتجنب هذه الأزمات، بالطبع لا، لأن الأزمة السياسية وتبعاتها في المنطقة خارج سيطرة أي دولة فيها، وقدر الأردن أن تنعكس أزمات المنطقة عليه كأكبر المتضررين، ولكن فن إدارة الأزمات في الدولة الأردنية نتيجة مواجهاتها المستمرة للأزمات والتعامل معها، جعلها تستطيع أن تفكك خيوطها دائما متغلبة عليها .
نحن لسنا خارج الصراع في فلسطين، وعندما يقف الأردن هذا الموقف لا يكون يدافع عن مصلحة الفلسطينيين فقط، بل أيضا يريد تحصين مصالحه الوطنية العليا لأنه لا يريد أن يستمر هذا الصراع المزمن على حدوده، خصوصا في ضوء ميل السياسة الإسرائيلية الكبير إلى التطرف وعدم احترامها القوانين الدولية وانقلابها على كل اتفاقيات تعقد بين الأطراف..
بالمجمل الحوار ظاهرة صحية مطلوبة، على أن لا يصل إلى حد التراشق بالاتهامات، ولزاما علينا أثناء النقاش والحوار حول ما يجري أن يكون أمامنا حقيقة أن الملك ومعه كل مفاصل دولته لا يأخذ القرار بالعواطف بل بميزان حساس ودقيق للحفاظ على مصالح الأردن والأردن والأردنيين.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه