ظاهرة الإمعات .. المُتكسبين .. المُتقلبين .. من الأردنيين

Husam21 نوفمبر 2023آخر تحديث :
ظاهرة الإمعات .. المُتكسبين .. المُتقلبين .. من الأردنيين

 

عوض ضيف الله الملاحمه

حتى ثمانينيات القرن الماضي ، كان للأردنيين عامة كاريزما خاصة متميزة ومتفردة . كان يشهد بها البعيد قبل القريب ، وبالذات العرب عامة ، ودول الخليج العربي خاصة ، بسبب إحتكاكهم المباشر مع الأردنيين نظراً لإستقطاب الأشقاء في الخليج لأعداد كبيرة من الأردنيين للعمل . حيث كانوا في أغلب الأحيان يستثنون الأردنيين من بعض القيود على تأشيرات العمل والإقامة .

وهذا لم يأتِ من فراغ مُطلقاً . كما انه لم يأتِ مجاملة . لأن دول الخليج عامة تتصف إجراءاتها الخاصة بالتأشيرات والعمل والإقامة بالشدة والدقة والصرامة . ولا يملك الإنسان العقلاني المنطقي الا ان يتفق معهم في إجراءاتهم تلك نظراً لإستقطاب تلك الدول لأعداد كبيرة جداً من العمالة العربية والاجنبية تفوق أعداد المواطنين بأضعافٍ مضاعفة .

كما كانت دول الخليج العربي مُتفقة تقريباً في تقييمهم للأردني . حيث كانت لديهم قناعات أكيدة بأن الأردني يتصف بالإستقامة ، والجرأة ، والرجولة ، والجدية ، والصدق ، والوفاء ، والنزاهة ، والإستقامة ، والعطاء المتميز ، والحصافة ، والتمكن ، وسعة الإطلاع . كما كان من دواعي إطمئنانهم للأردني انه : لا يُقصِّر ، ولا يغدر ، ولا يرتشي ، ولا يَنصُب ، ولا يتخلى عن قيمه النبيلة التي يتحلى بها ، المغروسة جينياً .

أما الأردني في داخل وطنه ، فكان رجل مواقف ، نشمي ، لا يتخلى عن قيمه ابداً . لدرجة ان الغالبية من الأردنيين كانوا لا يوثقون تعاملاتهم خطياً ، حيث كانت مقولة دارجة تقول : (( الرجل بينربط من السانه )). فإذا وعد الأردني كان وعده قاطعاً لا يثنيه عن تنفيذه شيئاً مطلقاً . كما كان الأردني لا يتخلَّ او يتراجع عن المباديء التي إقتنع بها . اما صلابته وتمسكه بالفكر الذي إعتنقه ، وآمن به ، فكانت راسخة وثابته ودائمة ديمومة حياته ، ولا يتخلَ عن تلك المباديء مهما دفع من أثمان . وكان القول السائد في ذلك الزمان ان : (( الرجل موقف ، ومواقف الرجال لها أثمان )) . وكان الأردني يدفع تلك الأثمان بكل رجولة وعزمٍ لا يلين . وتجد الشموخ بادٍ عليه وهو يتحدث عن ذلك . الأردني كان لديه أنفة وعزة نفس يواجه بها الدنيا بكل جرأة وبسالة وإصرار . كان الأردني لا يعبأ بالضغط عليه مهما كلفه موقفه من ثمن . وعانى الأردني من تضييق في سُبل العيش ، وحرمان من العمل في القطاعين العام وحتى الخاص . هذا علاوة على الملاحقة ، والمطاردة ، والزج في السجون ، وسحب جوازات السفر ، والمنع من السفر .

ما تم ذكره اعلاه ليس الا جزءاً يسيراً من معاناة الأردني في ذاك الزمان . لكن كل ذلك لم يَفُتَّ في عضده . ومن مؤشرات وادلة تغيُّر الأردني ، وانحدار قيم البعض غير اليسير على المستوى الداخلي فمنذ تسعينيات القرن الماضي لم يكتفِ بعض الأردنيين بالإنحناء الى العاصفة كما يقال . بل ركب بعض الأردنيين الموجة ، لا بل إمتطاها بإحتراف ترافقه ( خِسّه ) ، مع كل الأسف . حيث اصبح يميل ويلين في أفعاله وتصرفاته ليُشعِر الطرف المُستقطِب — لا بل المُشتري — بأنه جاهز ليبيع نفسه الرخيصة ، ويبدو وكأنه يُدلل على نفسه في سوق نخاسة يعتبر نفسه فيها كاسباً ، لكنه في الواقع خاسراً ، ذليلاً ، رخيصاً .

ومن إشترى يسترخصه مهما غلا ثمنه . ويستخدمه أداة رخيصة متنفعة لتنفيذ أجنداته بالإنقياد بهدف زيادة مكتسباته . والطرف المشتري يُمعن به اذلالاً عند كل مكتسب يقدمه له . ويدخل في تلك الدوامة ، ويصبح جزءاً منها ، لكن إحتقاره ممن إشتراه بادٍ بكل حركة وسكنة . وعندما يصل الى هذا الحد ، يكون قد اصبح عبداً مأموراً ، خانعاُ ، ذليلاً ، مُنقاداً . بعدها يتهور أكثر وتسقط عنده كل المباديء والقيم ، ويقيس كل شيء بمقياس ما يتكسب . ويثبت على مداره الذي وضع نفسه فيه ، لانه واقع بين نارين ، نار إحتقار من إشتراه ، ونار سقوطه المجتمعي حيث يتم إصدار تقييم مجتمعي بانه انتهازي ، وصولي ، متكسب .

وبعد ان يكون قد أُشبع من المناصب ، وأُتخم من المكتسبات المادية والمعنوية ، ويبدا الطرف الذي اشتراه بالتخلي عنه ، لانه تم إستنفاذه . يبدأ في محاولات ساذجه ، بالعودة الى قناعاته ومعتقداته والأفكار التي كان يحملها ، وكان قد تم التخلي عنه بكل خِسة ويحاول ان يلبس ثوب المعارض ، او صاحب الرأي المستقل — لكن على إستحياء ، لأن دواخله تعرف مدى سقوطه . وكان لا ينجح بذلك ابداً في ذلك الزمان ، الا من قلة قليلة جداً تتقرب منه للتكسب والحصول على اية منفعة . اما في مجتمعنا الأردني في زمان إنحدار القيم الذي بدأ يظهر جلياً ، فان تلك النوعية المنبوذة تتصدر المجالس ، والجاهات ، والعطوات مع كل الأسف .

الأردني في هذا الزمان لم يتبقَ لديه من ذلك النبل شيء الا من رحم ربي . تقتلني ظاهرة الإمعات في وطني الحبيب . لسببين : الأول :— تلقُف الأردنيين في هذا الزمان لهؤلاء الإمعات الرخيصين . والسبب الثاني :— ان ظاهرة الإمعات تعتبر مؤشراً قوياً لا بل أكيداً على إنحدار قيم المجتمع الأردني بعامته ، الا من رحِمَ ربي . لكن ( ما بظل على ما هو الا هو سبحانه وتعالى ) . وأختم بأبياتٍ لأمير الشعراء / احمد شوقي ، حيث يقول :—
ما كان في ماضي الزَّمانِ مُحرّماً / للناس في هذا الزّمانِ مُباحُ
صاغوا نُعُوتَ فَضائِلَ لعيوبهم / فتعذّرَ التمييزُ والإصلاحُ
فالفتكُ فنٌّ والخِداع سياسةٌ / وغِنى اللصوصِ براعةٌ ونجاحُ
والعُريُ ظُرْفٌ والفسادُ تَمَدُّنٌ / والكِذبُ لُطفٌ والرِّياءُ صَلاحُ .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه