التهجير .. آت .. وله دلالات .. وإرهاصات

 

عوض ضيف الله الملاحمه

يبدو ان العدو ما زال مُصراً على تهجير أهل غزة . رغم وجود عقبات كأداء أمام تنفيذ ذلك ، وذلك يتمثل بسببين ، الأول : إصرار أهل غزة على التشبث بأرضهم . والثاني : إستمرار مصر برفض إستقبالهم ، مع ان هذا الإصرار ربما يتغير امام الإجبار ، او الإغراء بشطب ديونها التي تقارب ال ( ١٧٠ ) مليار دولار . خاصة وان الخضوع للإغراء تم العمل به في الحرب الكونية على العراق عام ١٩٩١ ، حيث حاربت مصر وسوريا ضد العراق مع كل الأسف والألم . وإذا إستعصى التهجير فبديلة الإبادة . فربما يلجأ العدو الى إطالة أمد الحرب لشهور طويلة ، كوسيلة للضغط باستمرار الدمار والحصار والقتل والتدمير والتجويع .

النتن ياهو قالها بمليء فيهِ : بأنه سيغير خارطة المنطقة . وهؤلاء القتلة لا أحد يُنكر انهم ( قول وفِعلْ ) . عدونا يعمل وفق الأيدولوجيا الصهيونية ، ويَحكم الكيان حكومات تعمل وفق إستراتيجيات وضعها علماء وخبراء صهاينة ، ملتزمون بما خطّته أيادي الصهاينة الأوائل .

أرى ان عدونا قد قرر إحداث النكبة الثالثة . لأن في تنفيذها حلولاً جذرية لكثير من المعضلات التي يعانيها الكيان الصهيوني . كما ان كل الظروف ( العربية ) والدولية تعتبر مواتية وداعمة للعدو بشكل مثالي . أما المعضلات التي يعانيها الكيان فانها تتمثل بإصرار الفلسطينيين في غزة والضفة على الإستمرار في مقارعة المحتل رغم انهم يمرون بأسوأ الظروف ، فلا سند ، ولا عون ، ولا حياة تستحق التشبث بها ، سوى إلتصاقهم بوطنهم . كما ان غزة تحديداً أصبحت تشكل صداعاً مزمناً للعدو . وتأكدوا بانهم لم يستطيعوا لجم المقاومة رغم انهم حاصروها ل ( ١٦ ) عاماً . ومع ذلك كانوا يُدخِلون كل ما يحتاجونه عبر آلاف الأنفاق . والأدهى والأخطر بالنسبة للكيان ان أبناء غزة اصبحوا يصنعون الصواريخ ، من مخلفات صواريخ العدو التي لم تنفجر .

اما بالنسبة للضفة ، فإنني ارى ان الكيان توصّل لقناعة أكيدة بانهم تجاوزوا العقبة الكأداء المتمثلة في ضعف الكثافة السكانية التي كانوا يعانون منها . أما الآن فان الكيان يعتبر ان الضفة الغربية إمتلأت بالمستوطنين ، وانها لن تتسع لهم وللفلسطينيين ، وعليه لابد من تهجير أبناء الضفة .

في غزة وحشية الكيان غير مسبوقة عالمياً . والأدلة كثيرة منها : دعوتهم لسكان شمال القطاع للهجرة الى جنوبة ، وعندما إستجاب البعض ، ورضخوا ، قصفهم الاحتلال وهم في الطريق ، والبعض الآخر لجأوا الى المستشفيات ، ودور العبادة كالكنائس والمساجد — وهي تعتبر اهدافاً محرمة دولياً — فقصف العدو بعض المستشفيات والمساجد والكنائس .

ويهدف الكيان من هذه الوحشية ان يوصل رسالة للفلسطينيين بانهم أمام خيارين لا ثالث لهما : إما الهجرة او الموت . وفي النهاية سيهاجر أبناء غزة الى مصر ، منفذهم الوحيد . ومصر ترفض إستقبالهم بإصرار شديد . لكنني أرى انه حتى لو بقيت مصر على إصرارها ولم ترضخ فانها سوف تستقبلهم مُكرهةً . لانه عندما يتم ( حشر ) الفلسطينيين بين نيران العدو ، والسياج المصري ، بدون ماء ولا غذاء ، وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن ، ستشفق مصر عليهم ، من منطلق إنساني وعروبي وديني ، ولن يسمح العدو بعودتهم . ثم ان هناك مشكلة تتمثل في ضيق المساحة الفاصلة بين الحدود المصرية والفلسطينية والأراضي المحتلة ، فأنا زرتها قبل اكثر من ( ٢٠ ) عاماً ، واعتقد ان مساحتها الكلية أقل بكثير من كيلومتر مربع واحد .

وبهذا التهجير القسري ، الذي دفع اليه وجود خيارين فقط ، لا ثالث لهما ، فإن العدو سيعتبر ان سياسته في التهجير قد نجحت . وعليه سيتولد شغف لديه لإتباع نفس سياسة التهجير القسري في الضفة الغربية ، ومنفذهم الوحيد المتاح هو الأردن . لذلك سيتم تهجيرهم قسرياً بالحديد والنار الى الأردن ، حيث لن يكون أمامهم الا خيارين الموت او الهجرة . وهنا سوف تتعاطف الأردن مع الفلسطينيين المهجرين من منطلق إنساني ، وعروبي ، وديني ، وسوف تُجبر إنسانياً على إستضافتهم ، ولن يسمح الكيان بعودتهم . ومن إرهاصات التهجير الى الاردن المنشورات التي وزعها الصهاينة على منازل وعربات الفلسطينيين في الضفة وكُتب فيها : (( هذه فرصتكم الأخيرة للهروب الى الأردن ، فمن الآن نقتل أعدائنا ونطردكم من الأرض المقدسة التي أعطانا الله إياها )) .

كل المؤشرات توحي بأن العدو ماضٍ في عمليته الإجرامية . وربما سيحقق أهدافة ، ونحن الخاسرون . وهنا يبرز السؤال الكبير : ماذا عسانا فاعلون بالأردن ؟ وماذا أعددنا لمواجهة تلك الكارثة ؟ وهل لدينا أوراق ضاغطة يمكن إستغلالها ؟ وفيما لو قال قائل بأن الدولة الأردنية تعي الخطر تماماً ، وتستعد لمواجهته . وهنا لابد من طرح سؤال مهم : هل استعداداتنا ترقى لمستوى هذا الخطر الداهم الخطير ؟

هنا لا بد من الإشارة الى ان الأردن ما زال يملك عدداً من الأوراق الضاغطة ، بعيداً عن شن حرب مباشرة على العدو ، لأننا نعرف ان الأردن ليس مؤهلاً لها . وأرى انه من الضروري سرد الأوراق الضاغطة التي يمتلكها الأردن ، وأستغرب ان الأردن لحد الآن لم يلوح بها على أقل تقدير . حيث انه بالتضامن مع بعض الدول العربية وخاصة مصر التي تشاركنا الخطر يمكن التهديد او التلويح على أقل تقدير بما يلي : ١ – التهديد بتجميد إتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة . ٢ – وقف التبادل التجاري . ٣ – تجميد إتفاقيتي الغاز . ٤ – وتجميد المباحثات بخصوص إتفاقية الكهرباء مقابل الماء . ٥– طرد السفراء الصهاينة ٦– وإستدعاء السفراء العرب . ٧– وإغلاق السفارات . ٨ — ووقف الإتصال المباشر . ٩– ووقف إستقبال السياح الصهاينة . ١٠– وقف التعاون الإستخباري وتبادل المعلومات .

وضع مصر يختلف كلياً عن الأردن ، لأن مساحة مصر ( ١,٠٠٢,٠٠٠ ) كم٢ ، ومساحة سيناء لوحدها ( ٦٠,٠٠٠ ) كم٢ ، وتشكل ( ٦٪؜ ) من مساحة مصر تقريباً ، ومساحة قطاع غزة ( ٣٦٥ ) كم٢ ، والمطلوب من مصر بيعه ( ٧٢٠ ) كم٢ ، وتشكل ضعف مساحة غزة .

مما تم سرده يبدو ان عملية تهجير الفلسطينيين من غزة ، والضفة أصبحت هدفاً إستراتيجياً ضرورياً لأمن الكيان . وبالنسبة لمصر لو تنازلت عن مساحة ( ٧٢٠ ) كم٢ ، فانها تشكل حوالي ( ١,٣ ٪؜ ) من مساحة مصر الهائلة ، وتنقذ إقتصادها بإطفاء ديونها . كما ان المساحة المقتطعة تعتبر صحراء ، وبعيدة عن العمق المصري ، كما ان سيناء ليس فيها كثافة سكانية . بينما الأردن مُكتظ ، فمساحته ( ٨٩,٣٤٢ ) كم٢ ، وتساوي ( ٩٪؜ ) من مساحة مصر ، ويقطنه أكثر من ( ١١ ) مليون نسمة ، منهم حوالي ( ٤ ) مليون لاجيء من ( ٤٩ ) دولة ؟

وعليه لابد من إجتراح حلول لمثل هذه الكارثة التي تهددنا وجودياً . وان لا نضع أمن وطننا في جيبة عدو غدار مخادع ، مُبدع في التفنن بخلق الفرص للتوسع . فالتهجير آتٍ ، وله دلالات ، وإرهاصات ، ومؤشرات ، ومسوغات يراها العدو حقاً من حقوقه المسلوبة وعليه إستعادتها بقضمها قطعة قطعة ، ومناصريه هم الأقوى ، والأعتى . فأين الأردن من ذلك !؟

Scroll to Top