عوض ضيف الله الملاحمه
أرسل لي صديق عمري الأستاذ / محمد قهوجي ، إبن الشام الحبيبة ، رجل العِلم الرفيع ، المُتصفِ بالخُلق البديع ، أرسل لي نصاً يروي حوادث عن حياء النساء . ولأول مرة أعرف مناسبة المثل المصري الذي يقول : (( إللي إختشوا ماتوا )) . وأجد انه من الضروري ، وللعبرة ان أسرد مناسبة هذا المثل نصّاً :— [[ إشتعلت النيران في حمامات النساء في القاهرة ، في القرن السابع عشر الميلادي ، وهربت غالبية النساء وهنّ عرايا بدون ثياب تسترها ، خوفاً من الحريق ، الا ان بعض النساء رفضن الخروج قبل ان يَستُرن أنفسهن ، ويرتدين ملابسهن ، فقضت عليهن النيران . وعندما سُئل حارس الحمامات ، هل مات أحد من النساء في الحريق ؟ قال : نعم ، ” إللي إختشوا ماتوا “]] .
طبعاً ، لأن من لديه قيم ، وثوابت ، ودين ، وأخلاق ، يهون عليه الموت ، ويسُهل ، مقابل ان لا يتهاون ، او يتنازل عن مُثله ، ومبادئه ، وقيمه النبيلة الرفيعة .
الذين يختشون ، او يخجلون ، او يستحون ، يموتون ، نعم يموتون من الجوع ، من العوز ، من الفقر ، من المرض ، لذلك أعدادهم في تناقصٍ مستمر . والذين لا يختشون ، ولا يخجلون ، ولا يستحون ، وليس لديهم عِرقُ حياء ، او طَقَّ عرق الحياء عندهم ، يتزايدون ، لانهم لا يتورعون عن فعل اي شيء ، ولا يترددون في الإقدام على فعل الرذائل ، ويرتكبون كل انواع المعاصي ، ويتلذذون بالموبقات ، ويستمرؤن الحرام ، ولا حدود عندهم ، يفعلون اي شيء تطاله أياديهم النجسه ، ويُقدِمون على فعل كل الأفعال الخسيسة في سبيل بقائهم مُترفين ، غارقين في الملذات والنِعم التي نهاياتها النِقم ، دون ان يحسِبوا حِساباً لا لقيم ، ولا لدين ، ولا لأخلاق . وهم محميون من العقوبات الدنيوية ، ولا يؤمنون بالعقاب الأخروي .
هذا هو حال وطننا الحبيب ، من يخجل يخسر كل شيء ، فلا وظيفة ، ولا ترقية ، ولا تطور ، ولا فرصة ، ولا لقمة عيش كريمة . الفاسدون ، الفاسقون ، يتبغددون في خيرات الوطن . والوطن ، والشرفاء من أبنائه محبطون ، تائهون ، ضائعون .
الأمثلة كثيرة ، لدرجة يصعب حصرها من الذين لا يختشون ، ولو إختشوا لماتوا . ولأن مساحة المقال لا تتسع لسرد قصص الذين لا يختشون في وطني الحبيب ، سأكتفي بالتطرق لمثلٍ واحد ، لأنه يدخل ضمت إطار ( الفنطزة ، والعنطزة ) والتبذير غير المبرر . مواكب رؤساء الوزارات مؤلفة من عدد من أحدث ، وأرقى أنواع سيارات الفورويل ، المصفحة ، الفخمة ، والمزنرة بأحدث أجهزة التنصت ، والحماية ، وعدد المرافقين ، ومن يسبقون المرافقين لتأمين المنطقة ، كل هذه الكُلف العالية ، لو تم الإستغناء عنها ، وتم ضخُّها في إحدى المحافظات الصغيرة بعدد السكان ، لخلق إستثمارات ، أوجدت فرص عمل ، تستر آلاف العائلات الفقيرة ، المقهورة ، المُعوزة . لا أدري لماذا هذا التبجح والإفراط في البذخ !؟ ولماذا لا يعيشون عيشة بسيطة طبيعية كما كانوا !؟ أم أنهم يعتبرونها مشمشية ، ليتبحبحوا ، ويتبجحوا ، من ضرائب يدفعها شعب غلبان !؟ مثل هؤلاء لا يختشون ، ولا يخافون .
ألا يدركون انهم يعيشون في وطنٍ منكوبٍ بهم ، وان المديونية بلغت ( ١١٢٪ ) من الناتج الإجمالي الوطني السنوي ، وان الموازنة عاجزة عن الوفاء بخدمة الدين لوحده ، لأن الموازنة نفسها تعاني من عجز سنوي يزيد عن ( ٢ ) مليار دينار . ألا يعلمون ان نسبة البطالة التي يعلنونها هم تقارب ال ( ٢٤,٥ ٪ ) اي ربع القوى العاملة معطلة . وان الغلاء إستشرى وفتك بأصحاب الدخول البسيطة . وان الطبقة الوسطى الى زوال . وان نسبة الفقر الفعلي تقارب ال ( ٤٨ ٪ ) . وان فقر الدم بين الأطفال وصل الى ( ٣٣٪ ) بسبب سوء التغذية الناتج عن الفقر المدقع . وان نسبة العزوف عن الزواج أصبحت عالية وتنذر بالخطر . وان نسبة الطلاق غير المسبوقة تشكل قنبلة تهدد المجتمع بأسره . وأن الإنحلال الخُلقي تخطى كل الحدود . وأن المخدرات تفتك بالوطن بأسره . وأن التعليم ينهار ، والمنظومة الصحية تترنح .
لو كان لديهم ضمائر حية ، لجافا النوم عيونهم ، ولأستخدموا المواصلات العامة ، ولما شاركوا في المؤتمرات التي يعتبرونها نزهات . ولتصبب العرق من جباههم التي لا تعرف الرِفعة والترفع عن كل خبيث شائن مُشين .
ما أعظمكِ يا مصر العروبة . فعلاً ، أبدع الأشقاء المصريون : اللي إختشوا ماتوا ، والذين لا يختشون ، ولا يخشون الله ، هم في غيِّهم يعمهون .
عذراً التعليقات مغلقة