الصوم …..حكمة وفوائد..؟

rasha dwairi31 مارس 2023آخر تحديث :
الصوم …..حكمة وفوائد..؟

 

احمد ابودلو

من أجمل ملامح شهر رمضان الكريم في المجتمع الاسلامي ان الناس جميعا يؤخذون بنظام واحد حين يفطرون وحين يصومون وحين يمسكون، الى جانب ما يوفره الصوم من صحة للبدن وعافية للجسم . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((صوموا تصحوا)) .
فالصوم حمية يصح بها الجسم ورياضة يقوي بها البدن بالتخلص من رواسب الاغذية وسمومها ، والصوم بهذا حصار لبواعث الشهرة وسر لمنافذ النممية وتضييق لمجاري الشيطان كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ان الشيطان يجري من ابن مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع . وقد اثبتت الدراسات الطبية الحديثة ان صيام شهر واحد في العام يذهب بالفضلات المميتة في البدن لمدة سنة.
حكمة الصيام:
وفي قوله تعالى ((لعلكم تتقون)) بيان لحكمة الصوم ، اي لعلكم تراقبون الله في السر والعلن وتقومون بطاعته في ما نهى عنه وتحذرون طاعة النفس في ما تدعو اليه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن . والتقوى هي الوقاية : وقاية النفس مما يسوؤها من غضب الله وعذابه بامتثال اوامره واجتناب نواهيه . فالصوم الحق اذن يكسر شهوة الصائم ويضعف فيه دواعي المعصية. وفي الحديث : ((الصوم جنة )) اي وقاية . ولقد فرض الله الصيام على المقيم حين يرى هلال رمضان فقال: ((فمن شهد منكم الشهر فليصمه))
قال الامام محمد عبده معلقا على هذه الاية الكريمة : ((ان هذه الاية من دلائل القرآن من عند الله لا من عند محمد – صلعم- الذي نشأ بجزيرة العرب، والا فمن الذي اعلمه ان من البلاد من لايشهد الصوم اهله ، ولذلك قيد الحكم بمن شهد الشهر به)) .
ثم اوجب الله جل شأنه على الصائمين الذين لولا الله ما صاموا ان يذكروه ويشكروه ويكبروه اصيل آخر يوم من رمضان وبكرة عيد الفطر ، شكرا لله الذي اعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا كما كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم عند كل افطار وقد جاء تفصيل هذه العبادة اي الصوم وايجابها في القرآن الكريم مرة واحدة فقط بينما ذكرت الصلاة والزكاة والحج والجهاد وفضائل هذا الدين مرات ومرات في آيات القرآن الكريم وكأنما اراد الله بهذه الخاصية التي افرد بها الصوم ان يلفت النظر اليها ويضاعف حرص المؤمنين عليها ثم ان الصوم متميز عن غيره من العبادات بخاصية النسبة الى الله سبحانه وتعالى من بين سائر الاركان ، اذ قال الله تعالى فيما رواه النبي صلى الله عليه وسلم من حديث قدسي شريف : (كل حسنة بعشر امثالها الى سبعة مئة ضعف الا الصوم فانه لي وانا اجزي به انه يترك شهوته وطعامه وشرابه من اجلي ) هذه الواحة الظليلة التي يدركها المسلم في رمضان لاتتأتى الا بجهاد عنيف مع النفس لايكتفي فيه بالامساك عن الطعام والشراب فقط بل يتوقف عن كل المحرمات يقول الرسول الكريم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه. ويقول : رب صائم لا ينال من صومه الا الجوع والعطش .
ولقد أغلظ الشرع القويم عقوبة من ترك فريضة الصوم وافطر نهار رمضان منتهكا حرمة هذا الشهر العظيم من غير عذر يبح له الافطار . فقد ورد ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من افطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه عنه صوم الدهر كله وان صامه. وقد طلب الرسول من المسلمين قيام هذا الشهر : من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن ادى فريضة فيما سواه . ومن ادى فيه فريضة كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه.
لذلك كان المسلمون من الرعيل الاول يرقبون حلول شهر رمضان في شغف ويستقبلونه في لهف لما يرجون فيه من الخير طمعا في مثوبة الله عز وجل. ولحكمة جليلة اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بالعديد من المناسبات والاحداث . ففي ليلة من لياليه الكريمة ، وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار حراء في خلوته يتأمل الكون من حوله ويتشوف الى الهداية للحق ، وقد ضل قومه عنه نزل امين الوحي جبريل عليه السلام بأول آيات القرآن العظيم : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق . اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم )) .
ولحكمة ربانية جليلة كانت اشهر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان : ((غزوة بدر، وغزوة الفتح الاعظم )) التي اتم بها الله تعالى على المؤمنين ما كانوا يؤملون ويرجون وحقق لهم اعظم ما ينشدون وهو دخولهم مكة المكرمة والبيت الحرام آمنين مطمئنين ، والتمكين لهم في الارض التي اخرجوا منها ظلما وعدوانا بعد ان دخلوها دخول الظافرين المنتصرين . وقد كان الرسول صلوات الله عليه وسلامه حفيا بتلاوة كتاب الله عز وجل عطوفا على الضعفاء رحوما بالمحتاجين والفقراء ، يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة او الفقر ، وكم كان شرف الارض عظيما يوم يلتقي عليها خير الملائكة وسيد الانبياء يتدارسان القرآن في رمضان .
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل اجود بالخير من الريح المرسلة)) .
وفي رمضان عاش النبي صلى الله عليه وسلم حياة السلم وحياة الحرب، وفي رمضان غزا غزوتين كبيرتين هما بدر وفتح مكة . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ ((كراع الغمام ) ، وصام الناس معه فقيل له ان الناس قد شق عليهم الصيام وان الناس ينظرون في ما فعلت . فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون اليه ، فافطر بعضهم وصام بعضهم ، فبلغه ان اناسا صاموا فقال: (( اولئك) العصاة)) ، وله صلى الله عليه وسلم في رمضان احاديث : عن أنس رضي الله عنه ان رسول الله قال: ((تسحروا فان في السحور بركة)) . وكان عليه الصلاة والسلام يفطر على تمرات ويعجل بالفطر ويقول: (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) . وكان – عليه السلام – يدعو ساعة الافطار ويقول : ان للصائم عند فطره دعوة ما ترد ويقول : ((اللهم اني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ان تغفر لي))
وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (( ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر ، والامام العادل ، والمظلوم )) .
وكان عليه الصلاة والسلام اذا دخل العشر الاواخر من رمضان احيا الليل وايقظ اهله وشد المئزر ، وكا يحيى ليلة القدر ويتحراها ويقول : (( من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين )) وعن ابي هريرة ان النبي الكريم كان يعتكف في كل رمضان عشرة ايام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما.
ويقول الامام الغزالي : كم من صائم مفطر ، وكم من مفطر صائم ، فالمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه من الاثام ويأكل و يشرب ، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه . وقد شهد شهر رمضان العديد من الفتوحات الاسلامية الهامة منها غزوتا بدر وفتح مكة ، وهما من اهم غزوات المسلمين في زمن الرسول الكريم، كذلك كانت غزوة ((تبوك)) من هذا الشهر الكريم وهي الغزوة التي تمت ضد قبائل لخم وجذام وغسان التي سلحها قيصر الروم للانقضاض على الدين الجديد وتبارى المؤمنون الصائمون من الصحابة في تجهيز جيش العسرة ، فكانوا نماذج رائعة للبذل والتضحية والنضال حتى سحق هذا الجيش بقيادة الرسول الكريم كل محاولات الروم، فانسحبت جيوشهم امام القوة الروحية للمسلمين .
وفي شهر رمضان قاد خالد بن الوليد معركة ((الفراض)) ضد الفرس والروم معا، بجيش من المسلمون في حر الصيف وظمأ الصوم، وبعد الشقة ، ولكن قوة الايمان دفعت هذا الجيش الصائم المؤمن الى اقتحام المعركة بشجاعة وصبر حتى اجهز على عمالقة الدولتين وبلغت ضحاياهما مائة الف قتيل. وتم فتح الاندلس بقيادة طارق بن زياد في شهر رمضان كذلك ، حيث واجه بجيشه الذي لم يزد على اثنى عشر الفا، جيش لذريق الذي يبلغ مائة الف ، فتم له الفتح والنصر.
وافضل ليالي الشهر الكريم ليلة القدر، الليلة الكريمة التي نزل فيها القرآن على الرسول الكريم ، ليلة عظم قدرها ، وجل شرفها ، وزاد فضلها ، وعم يمنها ، تتنزل فيها الرحمات وتتضاعف فيها الطاعات وتقبل الدعوات وتغفر السيئات ، وترتفع فيها الدرجات يقبل فيها الرحمن الرحيم على عباده اجمعين يدعوهم الى التوبة من ذنوبهم والاستغفار من آثامهم والاستعانة به من قضاء حاجاتهم.
وليلة القدر وما ادراك ليلة القدر لم تصل اليها دراية ولم يبلغها علم فهي فريدة الفضل ومنبع الخير تتنزل فيها الملائكة من كل امر وينزل فيها القرآن يبارك لحظاتها . وقد اخفى الله- تعالى – أمر ليلة القدر وستر وقتها ليدفع طاعته بامتثال امره واجتناب نواهيه ، ومن هذا الاخفاء حمل على التحصيل وحث على العمل منا أخفى الاجابة في الدعاء ليبالغ الداعي في دعائه ويمعن في قصده تماما مثلما اخفى الله تعالى اسمه الاعظم بين اسمائه الحسنى ليعظموها جمله ويدعوه بها ((ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها )).
وليلة القدر تمتاز على غيرها من الليالي بالشرف والعظمة وهي تزن شهورا كثيرة صورها لنا القرآن الكريم بأن مقدارها ألف شهر.
والازمنة والامكنة يفضل بعضها بعضا بتفضيل الله فساعة الخير خير الساعات، ويوم الجمعة خير الايام ، وشهر رمضان خير الشهور وليلة القدر خير من الف شهر وهو ما يقرب الثمانين سنة وهو غالب عمر المعمرين، وهكذا فان لهذه الليلة مقامها العظيم لقيام الدولة الاسلامية فيها ، ليلة نزول دستورها العادل وقرآنها العظيم فجدير بنا ان نرقبها وان نقبل على الله بالطاعة والامتثال في الشهر الكريم الذي توجد فيه وان نلتمس الهداية من كتابه العظيم وسنة نبيه المصطفى الذي حدث صلى الله عليه وسلم عن رمضان في جماع احاديثه فرسم صورة لا ترقى اليها اي صورة يمكن ان يكتبها او يقولها قائل : ((قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه ابواب الجنة وتغلق فيه ابواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من الف شهر، من حرم خيرها فقد حرم أبشر، ويا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان)) صدق رسول الله.

وشهر كريم .. وعيد سعيد ..؟

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه