هل يتجه العالم الى.. تعدد الأقطاب !؟

Husam27 ديسمبر 2022آخر تحديث :
هل يتجه العالم الى.. تعدد الأقطاب !؟

عوض ضيف الله الملاحمه

يبدو أن أُحادية القُطبية بدأت تتصدع ، وتتفسخ ، وتتراجع قبضتها . يبدو ذلك من تجرؤ بعض الدول ، ومحاولات تحررها ، وإنعتاقها ، وإبتعادها عن أُحادية القطبية . حيث بدأت قوى دولية تُطِل برأسها ، وتتجرأ على الظهور ، وتنفلت من عِقال التبعية للقطب الواحد ، وبدأت ترفع صوتها ، ولا تتوافق ، وأحياناً تتجرأ وتعارض ، لا بل وتحاول الظهور بموقف النِدّْ ، الذي إنفك من الرضوخ ، ومسايرة القطب الواحد .

الولايات المتحدة الأمريكية من أغرب دول العالم في التاريخ الإنساني منذ بدء الخليقة . حيث انه مع ان عمرها حوالي ( ٢٥٠ ) عاماً ، الا انها قضت ( ٩٣٪؜ ) من عمرها في الحروب ، أي حوالي ( ٢٢٢ ) سنة من عمرها أضاعتها في الحروب التي شنتها على دولٍ أخرى ، حيث خاضت أكثر من ( ٩٠ ) حرباً وعدواناً ، معظمها ترقى لمستوى جرائم الحرب . هذا علاوة على ان نشأتها تمت على حساب فناء الهنود الحمر ، السكان الأصليين .

نعم هناك دول قوية ، وكبيرة ، من ناحية المساحة ، وعدد السكان ، ومن الناحية الاقتصادية والريادة في الأعمال ، بدأت هذه الدول تُشعِر أُحادية القطبية ان تفردها في السيطرة على العالم قد بدأ يتراجع ، ويتضعضع ، ويتزعزع ، وان الوقت قد حان لترك أُحادية القطبية ورائنا ، واننا جاهزون ومستعدون لنتشارك ، ويكون لنا دوراً ريادياً ، متقدماً ومؤثراً في إدارة هذا العالم الذي عانى وما زال يعاني من ويلات أحادية القطبية الجائرة ، المتجبرة ، الأنانية ، الظالمة ، وإنها ذهبت الى غير رجعة .

منذ الحرب العالمية الأولى ، تفردت أمريكا في حكم العالم . وكان حُكماً سلطويًا ، دمويا ، جائراً ، مُستخدِمة كل الوسائل حتى غير الأخلاقية ، وغير الإنسانية منها لتصل الى رضوخ الدول ، وتماشيها مع سياساتها ، لنهب ثروات العالم ، وتغذية إقتصادها الذي تضخم حَدّ التورم من خيرات بلدان العالم . وأنشأت منظمة التجارة العالمية ( WTO= World Trade Organisation) ، حيث إستباحت أسواق العالم ، التي فتحت ابوابها عنوة لمنتجات الشركات الأمريكية العملاقة لتسوق منتجاتها ، مُجبِرة تلك الدول على إلغاء الحمائية الإغلاقية لحماية منتجاتها الوطنية من تغول المنتجات الأمريكية تحديداً التي تنافس بجدارة وإقتدار وتتميز بالجودة والسعر أيضاً لأنها تتبع سياسات ال( Mass Production ) أي الضخامة في كميات الإنتاج ، مما يُقلل الكلف الثابتة ، وتنحصر الزيادة في الكلف المتغيرة . وللعلم بمجيء الرئيس ترامب ، أصبحت أمريكا أول دولة تنقلب على قوانين منظمة التجارة الدولية ، وتضرب بها عرض الحائط بفرض رسوم عالية على منتجات العديد من الدول مثل الصين وتركيا.

لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية ، وجسارة الرئيس الروسي / بوتين ، هي التي أحدثت تصدعات ليست بسيطة في التفرد الأمريكي في السيطرة على العالم ، حيث بدأت أُحادية القطبية تتصدع قليلاً ، لكنها لم تضعف لدرجة أنه يُمكن تجاوزها وإسقاطها ، وهذا يعتمد على ما ستنتهي اليه الحرب الروسية الأوكرانية . فإذا حققت روسيا إنتصاراً ، سيصيب هذا الإنتصار أُحادية القطبية في مقتل ، وستظهر محاور تعدد القطبية بجلاء ووضوحٍ شديدين . وإذا لم تكسب روسيا الحرب ، لكنها لم تخسرها ، وخرجت بما يحفظ ما وجه بوتين ، فإنني أرى أن صراع المحاور سيبدأ . حيث ستظهر تحالفات وإصطفافات دولية جديدة ، وقوة وإقتدار هذه التحالفات هي التي ستحسم الأمر . لكن إذا تحررت أوروبا وابتعدت ولو قليلاً عن الإنقياد والتبعية الى أمريكا ، سينجح المحور الآخر المعارض للهيمنة الأمريكية والذي ستكون دوله الفاعلة هي ( روسيا ، والصين ، والهند ، وإيران ) . أما إذا خسرت روسيا الحرب ، فسيتحول الصراع الى حرب عالمية ثانية تُستخدم فيها كل الاسلحة الخطيرة والقذرة ، عندها ستختلط الأمور ، وستتشظى دول ، وستظهر قوى جديدة . أما إذا جنحت روسيا وأوكرانيا للتفاوض وتوصلتا لوقف الحرب ، أعتقد ان الوضع سيبقى يراوح مكانه ، وستستمر أُحادية القطبية هي المسيطرة ، لكن جذوة التمرد عليها ستبقى مُتقدة .

وإذا نشأ وظهر على الساحة العالمية تعدد المحاور ، وإذا كان سيقوم على سياسة تبادل المصالح بين الدول ، مع عدم هيمنة القوي على الضعيف ، وإحترام إستقلال الدول ، فإن للعرب عامة فرصة كبرى للتحرر من الهيمنة الأمريكية الأُحادية ، وتنعم باستقلال قراراتها السيادية ، كما انه سيُبدي أمالاً كِباراً لدعم القضية الفلسطينية . لكن هذا لن يتحقق بسهولة والسبب الهيمنة الأمريكية المطلقة على معظم الدول العربية ، وهي التي تعتمد في أمنها على أمريكا ، وأوطانها متخمة بالقواعد العسكرية الأمريكية ، وكل ذلك مرتبط بإتفاقيات هيمنة مُذِلة ، ليس من السهل الإنفكاك منها . لا بل إن أمريكا لن تسمح لهذه الدول بتغيير تحالفاتها حتى لو أدى ذلك الى إسقاط عروش ، وتفكيك دول ، وإشعال الفتن لإثارة حروبٍ أهلية داخلية ستطيح بأوطانٍ بأكملها ، وتتعزز الهيمنة الأمريكية على العرب فقط ، وقد تُستثنى بعض الدول العربية التي لم تخضع للهيمنة الأمريكية المطلقة .

أما إذا نجحت الدول العربية من الإنفكاك من الهيمنة الأمريكية ، وغيرت تحالفاتها الى محاور أخرى ، مثل الحلف الروسي الصيني ، فإن هذا سيعود بالخير على تلك الدول العربية وعلى القضية الفلسطينية تحديداً ، لكن شريطة ان يكون التخطيط الاستراتيجي العربي في توظيف قدراتها وإمكاناتها ومواردها متميزاً لإتباع سياسات مستقلة ، بعيدة عن التبعية للمحور الجديد ، وان يتبع العرب سياسة ( هات .. وخذ ) ، اي سياسة المصالح المتبادلة هي التي تحكم العلاقة ، وأن لا تُقدم شيئاً للحليف الجديد الا بإقتناص منافع مقابل ذلك .

ما لمّح له الرئيس الروسي / بوتين ، والرئيس الصيني / بينغ ، عدة مرات بأنهم مستعدون للتحالف مع العرب ، والتعامل معهم على أساس تبادل المصالح ، حتى تكون كل الاطراف رابحة شيء جيد ، ومشجع ، وواعد للعرب ، وللقضية الفلسطينية . كل عربي حُرٌّ أبيّ يتأمل من الأنظمة العربية ان تكون بمستوى هذه المرحلة الإنتقالية شديدة الخطورة ، والأهمية ، وان يكون نهجهم ومبتغاهم تحرير أوطانهم من الهيمنة والغطرسة الأمريكية التي أضعفت ، وتكاد ان توشك على أضاعت قضيتنا المركزية . لكن هذا يستلزم وجود قادة أبطال ، شجعان يكونون بمستوى المواقف والتحديات والإخلاص لأوطانهم ولقضيتهم التي أقصوها عن مركزيتها .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه