بشكل مباشر ، وبدون أية مقدمات ، كل المؤشرات تؤكد بأن الوطن قد ضاع ، وبِيعَ . البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، هيئات مالية عالمية دورها المُعلن إقراض الدول المُنهك إقتصادها ، بسبب سوء إدارته ، وفساد كبار مسؤولية . والبنك والصندوق تُعتبران مؤسستين صهيونيتين ، وهدف الصهيونية الدفين ، او المستتر ، او غير المُعلن ليس المساعدة والتيسير على تلك الدول ، أبداً ، بل إن الهدف الفعلي يتمثل في السيطرة على إقتصاد تلك الدول ، وإغراقها بمزيد من الديون ، حتى تعجز عن سدادها ، تمهيداً للتدخل في سياساتها للسيطرة على قرارها السياسي ، والنيل من إستقلالها .
هناك دولٌ ، لا تقترضُ أبداً . وهناك دول تتنبه وتُنقِذ نفسها من تلك السيطرة والإستعباد في الوقت المناسب . ودول أخرى تدير الأمور بطريقة تُخفف من تلك السيطرة ، وتطيل أمدها . لكن هناك دول ، لفساد كبار مسؤوليها ، وعدم وعيهم لمخاطر الإفراط في الإقتراض ، يُغرقها البنك والصندوق ، حتى يُفقِدها إستقلال قرارها السيادي والسياسي والإقتصادي ، فتدور في فَلكه ، مُنصاعةً لكل القرارات حتى لو كانت ستطيح بالوطن في هاوية سحيقة .
وللعلم وضع الأردن مع هذه الهيئات من أسوأ الأوضاع ، لأسباب عديدة منها الاستهداف الصهيوني للأردن وجوديا، وارتباط الأردن في القضية الفلسطينية وإجتراح حلول للقضية على حسابه، وارتهان ساسة الوطن واقتصادييه للبنك والصندوق.
وعليه ، عندما تُشكل نسبة المديونية ما يقارب ( ١١٢٪ ) من الناتج الإجمالي الوطني ، في حين ان قوانين تلك المؤسسات لا توافق على إقراض الدول إذا وصلت مديونيتها الى حد ( ٦٠ ٪ ) من ناتجها الإجمالي الوطني . فلماذا ما زالت تلك الهيئات مستمرة في إقراضنا !؟ وعلاوة على ذلك ، والأمر الذي يزيد الطين بِلة أن الإقتراض مستمر سنوياً ، لا بل ويزداد كلما زاد عجز الموازنة ، حتى وصل المبلغ الذي تُخطط الحكومة الحالية لإقتراضه عام ٢٠٢٣ الى حوالي ( ٢ ) مليار دينار . هذا عدا عن ان خِدمة الدين العام لوحدها قد تصل الى ( ٦٠٠ ) مليون سنوياً ، والأقساط مستحقة السداد تقارب ال ( ٢ ) مليار سنوياً . ومما يزيد الأمر سوءاً ان فوائد القروض لتلك الهيئات وصلت الآن الى ما يقارب ال ( ٨٪ ) ، وهذه نسبة مرتفعة جداً لا بل خيالية ، لأن الفوائد عادة تتراوح بين ال ( ٢ – ٤٪ ) .
ويزداد الحزن على وطننا عندما نعلم الآتي :- ١ )) ان الموازنات يُحَدد بها مبالغ متواضعة جداً للإنفاق الرأسمالي ، الذي من شأنه ان يُحرك عجلة الإقتصاد ، ويخلق فُرص عمل ، مما يخفف من نسبة البطالة ، ونسبة الفقر ، وللعلم الإنفاق الرأسمالي يدور حول ( ٣٠٠ ) مليون !؟ ٢ )) ان الحكومة لا تُعلن المبالغ التي تقترضها محلياً ، وسندات الخزينة التي تطرحها ، وهي مبالغ بالمليارات . ٣ )) ان الحكومة لا تحتسب ديون الدولة واجبة السداد للقطاع الخاص الأردني والتي تصل الى المليارات ، مثل : ديون المصفاة ، ديون الكهرباء والمياة ، ديون القطاعات الصحية ، ديون قطاع المقاولات .. وغيرها . ٤ )) الحكومة لا تحتسب مبلغ ال ( ٦,٨ ) مليار دينار التي نهبتها من صندوق مؤسسة الضمان الإجتماعي . لا بل إنها لا تعتبره ديناً واجب السداد عليها . وفي أحسن الأحوال وأمام عدم إستعداد الحكومة لدفع الأقساط المترتبة عليها لسداد هذا المبلغ ، ليس بيد البنك المركزي سوى الإكتفاء بتدوين الأقساط والفوائد دفترياً .
كل ذوي الشأن من الذين يديرون شؤون الوطن ، المنخرطون في الدولة العميقة ، يعرفون اننا ليس لدينا القدرة على سداد تلك الأقساط والفوائد التي تتراكم ، ويتم اللجوء لمزيدٍ من الإقتراض لسدادها . تصوروا ان نلجأ للإقتراض لسداد الفوائد السنوية !؟ وهناك سؤال بسيط ومباشر : ما هي الأسباب التي تدعو تلك الهيئات للإستمرار في إقراضنا رغم ان قيمة القروض أصبحت تشكل حوالي ( ١١٢٪ ) من الناتج المحلي الوطني !؟ الإجابة واضحة : إنها الصهيونية التي تُغرِقنا في محيط متلاطم الأمواج من الديون ، وهي واثقة من عدم قدرتنا على السداد ، بل انها متأكدة من عجزنا عن سداد الفوائد على الأقل ، حيث تُجبرنا على مزيدٍ من الإقتراض لسدادها ، فتتضاعف الفوائد ، هذا عدا عن الإقتراض لسداد عجز الموازنة . القراء الكرام : القروض هي ثمن وطنكم ، تم دفعه مُقدما ، لإنهاكه ، وتهيئته لمرحلة إختفائه وجودياً ، ولا تتوقعوا ان تحصلوا على ثمن لوطنكم ، لأنه قُبضَ سَلفاً ، وأُنفق جزءاً يسيراً منه ، وسُرِق معظمه ، ونحن كمواطنين أصبحنا مثل ( معايد القريتين ) ، او ( مثل الأيتام على مآدب اللئام ) ، لِئام هذا الزمن الرديء ، وليس لئام زمننا الجميل الذي إنتهى .
وأختم : لو لم تتماهى مواقف السياسيين ، والإقتصاديين مع سياسات تلك الهيئات الصهيونية ، لماذا تم إبتداع إنشاء الهيئات المستقلة التي لا لزوم لها مطلقاً ، لأن مهامها وصلاحياتها تم إجتزاؤها من الوزارات ، وهي تُكلف الموازنة مليارات الدنانير سنوياً ، ولم يتجرأ كل رؤساء الوزارات خلال العقدين الماضيين على الإقتراب منها ، او المساس بها ، مع ان غالبيتهم كانوا يطالبون بالغائها قبل ان يصبحوا أصحاب دولة ، مع ان الأمر لا يحتاج الا توقيعاً من مسؤول وطني رشيد .
عذراً التعليقات مغلقة