الشيخ قَدِرْ .. عَظِيمُ القَدَر .. والقُدّْرَة/(( الجزء الثاني والأخير ))

Husam20 فبراير 2022آخر تحديث :
الشيخ قَدِرْ .. عَظِيمُ القَدَر .. والقُدّْرَة/(( الجزء الثاني والأخير ))

افاق الاخبارية

الشيخ قَدِرْ .. عَظِيمُ القَدَر .. والقُدّْرَة

بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
(( الجزء الثاني والأخير ))

بعد اجتماع شيوخ ووجهاء عشائر الكرك الذي أسفر عن الإتفاق على ان يكون الشيخ / قدر زعيم ثورة الكرك . وفي تلك الأثناء طلبته الحكومة التركية من أجل ان تضعه ضمن لجان تعداد الأنفس . وما كان منه الا الموافقة من أجل التكتم والتمويه فيما يخص الثورة . لكنه بعد ان رأى التجاوزات التي تقوم بها اللجان ، لم يحتمل هذا الأمر ، وذهب الى المتصرف وأمير اللواء وهددهما بالإستقالة اذا استمرت لجان الإحصاء بالتجاوزات وإهانة شيوخ العشائر ، ووعده المتصرف بانه سيشرف بنفسه لمنع تلك التجاوزات . ولما عَلِم مأمور الإحصاء العام بإنتقادات الشيخ / قدر زاد من تجاوزاته . عندها قرر الشيخ / قدر الإستقالة من اللجنة ، لانه بدل مسايرة الشيوخ وإرضائهم ووقف التجاوزات ، أرسل قوة من الجنود تزيد عن ( ١٠٠ ) عسكري لتعزيز لجنة الإحصاء . ويمكن ان نوجز بعض التجاوزات بما يلي :- ١)) تجاهل ادوار اعضاء اللجنة . ٢)) يبالغ في تقدير السن ، حتى يضم أسماء الشباب ليكونوا ضمن نطاق سن الخدمة العسكرية اي بين ( ٢٠ — ٤٥ ) سنة ، فمثلاً من عمره ( ١٥ ) سنة ، يسجل عمره ( ٢٠ ) سنة ، ومن عمره ( ٥٥ ) عاماً يقدره ( ٤٥ ) عاماً ، حتى يزيد من اعدادهم . بعد استقالته تفرغ الشيخ / قدر للتخطيط للثورة ، فأشرك عشائر الطفيلة وقبيلة الحويطات ، التي كان لها أعظم الأثر في ثورة الكرك ، عندما قامت بمحاصرة الحامية التركية لمدة ( ١٤ ) يوماً ، من اجل عدم إمداد الجنود الاتراك في الكرك من الحاميات التركية في معان . وبتاريخ ١٩١٠/١١/١٤ ، عقد الشيخ / قدر اجتماعاً مع عدد من شيوخ الكرك ، وكان اجتماعاً خاصاً بمناقشة مجريات الخطة العسكرية ، والقضاء على الطوابير العسكرية ، وتعطيل لجان إحصاء الأنفس . وقبل انتهاء الاجتماع اقترح الشيخ / قدر ان يتم عرض الخطة والاهداف على باقي العشائر الأخرى ، وان يتم الاتفاق على عقد اجتماع موسع ، ليتم فيه شرح تفاصيل ومجريات الثورة .
بتاريخ ١٩١٠/١١/١٦ تم عقد الاجتماع الموسع وحضره جميع شيوخ ووجهاء العشائر ، وقدم الشيخ / قدر الخطوات التي يجب اتباعها في الثورة :-
١)) ذهاب الشيخ/ قدر للمتصرف لإبلاغه بوجوب اخراج عدد من الجنود مع لجان التعداد لحمايتهم . ووافق المتصرف على الفكرة . وكان الشيخ / قدر يهدف الى تقليل عدد الجنود في القلعة من أجل سهولة وصول فرسان الكرك اليها والقضاء على الحامية . أما الجنود الذين تم توزيعهم مع لجان التعداد فالقضاء عليهم يكون سهلاً من قبل ابناء كل منطقة من مناطق الكرك .
٢)) التظاهر بقبول الاجراءات المرافقة للإحصاءات ، وذلك من اجل ابعاد الشُبهة عن تحركاتهم بين العشائر لتأمين إمداد الثورة بالسلاح والرجال .
٣)) يكون يوم ١٩١٠/١١/٢٣ موعداً لقيام الثورة وان تقوم كل قرية بقتل الجنود الموجودين فيها ، ثم التوجه الى القلعة لتحريرها .
وفي يوم ١٩١٠/١١/٢١ زار الشيخ / قدر بعض العشائر في بلدة المزار وعقد اجتماعاً عشائرياً بيّن فيه لعشائر الكرك انه وسّع الخطة الهجومية ضد العثمانيين مع عشائر معان ، والطفيلة ، والمفرق ، والسلط وغيرها . وبيّن مهمة كل عشيرة من عشائر الكرك في يوم الثورة ، وبدأ يزيد من حماس الرجال ، حتى تعالت الأصوات من الحضور ، وهم يلوحون باسلحتهم [[ طاب الموت يا عربان الكرك .. المنية ولا الدنية ]] . حيث تصادف مرور سرية عثمانية فسارع نشامى الكرك وقتلوهم ، وأخذوا اسلحتهم وبِغالهم . ووصل الخبر للحاكم العثماني ، حينها اعلن الشيخ / قدر ان تنطلق الثورة يوم ١٩١٠/١١/٢١ ، بدلاً من الموعد المقرر سابقاً يوم ١٩١٠/١١/٢٣ . وبدأ الهجوم وإطلاق الرصاص على دار الحكومة التركية وقتلوا من فيها من جنود ، ثم توجهوا للسجن وحرروا السجناء ، وأسروا الحراس الأتراك ، وصادروا جميع سجلات التجنيد الاجباري ، وإحصاء الأنفس ، والضرائب ليتم حرقها .

عندما وصلت اخبار ثورة الكرك للقيادة العثمانية أُرسلت قوات على عجل معلنة الحرب على عشائر الكرك . فأستعادت القوات التركية احتلال دار الحكومة . وهددوا بان من يأوي الثوار سيتم إعدامه ، ويعدم حرقاً من يأوي الشيخ / قدر . وقاموا بحملة اسفرت عن اعتقال ( ١٠٠ ) ثائر ، ونفذت حكم الاعدام الفوري ب ( ٦) من الشيوخ . ووصلت معلومات للحاكم التركي بان الشيخ / قدر استقر عند الحمايدة ، فهاجم الاتراك مضارب الحمايدة والمجالي ، ودارت اشتباكات اسفرت عن قتل ( ٦ ) رجال وأسر ( ٦٠) بينهم عدد من النساء ، منهن النشمية / مشخص فارس المجالي ، زوجة الشيخ / قدر ، لكن الحملة لم تُفلح في القبض على الشيخ / قدر ، على الرغم من تفتيش بيوت ومضارب الكرك بيتاً بيتاً . فما كان من الشيخ / قدر الا ان يُسمي نفسه ( علي ) كإسم حركي ، ليبعد عيون الاتراك عنه ، وليستطيع إرسال الرسائل واستقبالها دون تعقبه . واستمر تخفيه لمدة ( ٣ ) أعوام حتى صدور العفو العام السلطاني .

بدأت الحرب العالمية الأولى فتخوفت الدولة العثمانية من الحركات الاستقلالية في المنطقة ، فأخذت باعتقال الزعماء وشيوخ العشائر بدعوتهم لاجتماعات بمبررات وهمية ، ولأن الكرك كانت تشكل آنذاك بؤرة ساخنة للثورات ، فما كان من الإدارة العثمانية الا ان اصدرت عدداً من الأحكام السرية باعدام عدد من الشيوخ منهم الشيخ / قدر ، حيث تم اعتقاله في دمشق ، فاختفى وإنقطعت أخباره . وتبين بعد ذلك انهم إغتالوه بوضع السُّم في القهوة ، وتوفي في دمشق . وتبين ان الجزار جمال باشا السفاح هو من أمر بقتله بالسُّم .

لكن الثوار الكركية استمروا في مهاجمة القلعة واقتحموا دار الحكومة وقتلوا من فيها من الجنود ، حتى عجزت الحامية العثمانية عن السيطرة على الثوار ، وانتهت الى هزيمة العثمانيين وهروبهم من الكرك واعلان تحرير الارض وتحرر الانسان ، وهم يهزجون من أشعار قائد ثورتهم :-
يا بنت ياللي بالجبل طلي وشوفي فعالنا
يا سامي باشا لا نطيع ولا نعد عيالنا
لعيون مشخص والبنات ذبح العساكر كارنا

ذكاء وحصافة في التخطيط للثورة ، بتفريغ القلعة من غالبية الجنود ، واستفراد كل قرية بقتل المرافقين للجان الاحصاء ، ثم الانقضاض على القلعة ، والتنسيق لقطع الإمدادت . ذكاء ، وتكتيك ، وبسالة ، وشجاعة ، وجرأة ، وإضعاف للمستعمِر العثماني بتشتيت قواته للنيل منها . الشيخ / قدر عظيم القدر والقدرة ، قدرته أعلت قدره . رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه ،و أعظم قدره عند ربه .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه