عدوُ الإنسانِ اللدود/الكاتبة الآء عبد الجبار كايد

Stocks1 فبراير 2022آخر تحديث :
عدوُ الإنسانِ اللدود/الكاتبة الآء عبد الجبار كايد

عدوُ الإنسانِ اللدود

الكاتبة الآء عبد الجبار كايد

سُئِلتُ يومًا عن العدوِ اللدودِ للإنسانِ، فما جاءَ في بالي سوى الذكرياتِ، تلكَ اللحظات التي اسعدتنا ذاتَ حينٍ، تصبح بعد حينٍ من الدهرِ ذكرى تُؤلمُ الروحَ و تُبكي العينَ.
تمرُ الأيامُ بتتالٍ سريعٍ لتصبحَ ماضٍ مليئًا بالذكرياتِ، نكبرُ نحنُ رويدًا رويدًا، و تتلاشى رغبتنا بالحياةِ، حتى يُصبح محورُ أحاديثنا الماضي و الذكريات، و يمضي المزيدُ من الوقتِ لنُصبح ماضٍ و ذكرى أليمةٍ لمن بقي خلفنا، نحنُ صانعوا الذكرى و نحنُ أهلها، فلمَ نبكي على ذكرى ماضيةٍ نحنُ منشِئوها؟
نحنُ نخلقُ سعاداتنا المؤقتة لتصبح مُجردَ ذكرى جميلةٍ من الأيامِ الخوالي، تبهجنا قليلاً و تحزننا، نتبهجُ لاستذكارنا اياها و تؤسفنا أنها وَلّت ماضيةً بسرعةِ الريحِ ودونَ عودةٍ.
يعزُّ على الإنسانِ أن يفقدَ أقربَ المُقربين إلى قلبهِ و يراهُ في بضعٍ من الصورِ و الذكرياتِ فقط، يعزُّ على الإنسانِ أن يحن لمن اعتاد قضاءَ معظم الوقتِ برفقتهِ، يصعبُ عليهِ تقبلُ فكرةِ الرحيلِ الأبديِ دونَ لقاءٍ آخر و يبقى ناكرًا لتلكَ الأحداثِ التي سلبتْ منهُ عزيزًا و انهتْ وجودهُ الا في بعضِ المواقفِ و الصورِ و الذكريات.
أتدرُكُ حقًا؟
كُلُّ تلكَ اللحظاتِ المُفرحةِ التي قمنا بصنعها يومًا ستغدو مؤلمةً بعد أعوامٍ و لربما شهور، كُلُّ موقفٍ أقدمنا على اسعادِ ذاتنا بهِ، سينقلبُ ضدنا، ستصبحُ افراحنا اتراحًا، و أحبابنا وهمًا، و ستنتهي كُل البداياتِ المليئةِ بالسرورِ بشجنٍ و غصةٍ يصعُبُ البوحِ بها، فإنْ قمتَ بالحديثِ عن تلكَ الغصةِ ستبكي مهزومًا منطفئًا ممتلىءٍ بالكربِ، و إن تواريتَ عنها و أخفيتها، سينتهي بكَ المطافُ بروحٍ مُتألمةٍ و قلبٍ مغمومٍ مفطورٍ بسبب الحالِ الذي آل إليهِ.
سترى حطامَ ذاتكَ دونَ قدرتكَ على فعلِ شيءٍ تجاهها، سينكسرُ جزءُ داخلكَ و ما كُسرُ لا يمكنُ إصلاحهُ، ستبقى مُنكسرًا، تحملُ شرخًا داخلَ فؤادكَ لا شفاءَ منهُ أبدًا، و ستغدو مجردَ قافلةٍ تحملُ داخلها آلام الزمنِ و ذكرياته و كُلّ تفاصيلهِ.
في كُلِّ ضربةٍ يتلقاها الانسانُ يتألم، في كُلّ فقدانٍ يصيبهُ يبتئس، و في كُلِّ صفعةٍ من صفعات الحياةِ يتعلم، لذلك تبقى الذكرياتُ عدوًا لدودًا للإنسانِ، تحييه و تميته، تبهجهُ و تطفئهُ، و يستحالُ أن تعيدُهُ كما كانَ يومًا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه