الرعونة والطيش .. والسير الخطير

Stocks27 يوليو 2021آخر تحديث :
الرعونة والطيش .. والسير الخطير

افاق الاخبارية

الرعونة والطيش .. والسير الخطير

بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه

لديَّ أُمنية أتمنى لو انها تتحقق ، رغم قناعتي الأكيدة أن أُمنيتي هذه ليست مستحيلة فقط ، بل هي ضربٌ من الأوهام ، وأعتقد ان كل العقلاء في الأردن يتمنونها . أمنيتي تتمثل في عدم قيادة السيارة في الاردن . تقود سيارتك بكل عقلانية واحترام ، مراعياً كل قوانين وآداب السير والمرور ، لكنك تجد نفسك كمن يسير في حقل الغام ، مُعرَّض للحوادث في أية لحظة ، السيارات في كل الاتجاهات متداخلة ، وكل سائق يتقدم بسيارته ولو لمسافة سنتمترات ليُغلق الطريق على غيره ، والكل يزاحم الكل ، كل واحد يعتبر ان الطريق له ، سواء حسب اولوية قوانين السير ، او حسب قناعته الشخصية ، المُستنِدة الى خلفيته العشائرية او والده المتنفذ ، التي عنوانها (( انت بتعرف مع مين بتحكي !!؟؟ )) . وهنا يكمن الخطر ، لأنه يأبى التنازل ، وكأن الأمر يمس كرامته . ويذكرني تداخل مقدمات السيارات في كل الاتجاهات بما جرى في فيضانات تسونامي الذي ضرب سواحل دول جنوب شرق آسيا قبل أعوام حيث جرفت الامواج العاتية كل شيء يعترض طريقها ، ولاحظتم وضع السيارات ( المجروفة ) .

الملاحظ عندنا ان الكل متحفز ، وغاضب ، ويلوم الغير ، ومتأهب للسباب والشتم والعراك ، كأنه في معركة يدافع فيها عن كرامته ، وحسبه ، ونسبه ، ويود ان يُثبت سطوة ونفوذ والده المتنفذ . وما يزيد الطين بِلّة تداخل المشاة مع السيارات وكأنهم في تحدٍ مع السائقين ، حيث لا يأبهون لأولوية المرور والمكان المحدد او المناسب للمشاة ، لا بل انهم لا يأبهون بحياتهم واحتمال تعرضهم للحوادث .

لديّ إعتقاد ان نسبة ( ٦٠٪؜ ) من الازدحام المروري سببه فوضوية السائقين والمشاة . قبل اكثر من عقدٍ من الزمان قال سائح فرنسي الجنسية : انه يحب الاْردن وانه يزورها للمرة العاشرة ، ويحب الأردن وكرم الأردنيين ، لكنه لاحظ ان الأردني عندما يقود سيارته يتحول الى إنسان عدواني ، متهور ، عصبي المزاج ، متحفز ، وغاضب ، ومستعد للعراك .

تصوروا معي ان يقود سائق شاحنته وهو مُخرجاً رِجله من الشباك !؟ كما ضبط رجال المرور سائق شاحنة يدخن الأرجيلة وهو يقود شاحنته !؟ وكذلك ضبط الرادار احد سائقي سيارات الصالون وهو يقود سيارته بسرعة وصلت الى ( ٢٢٠ كم/ الساعة ) !؟ أما استخدام الهاتف الخلوي أثناء القيادة فهو يتسبب بما نسبته ( ٧٠٪؜ ) من حوادث المرور .

كل دول العالم تحاول جاهدة رصد المخالفات المرورية ، وتضع عقوبات رادعة ، وتشرِّع قوانين وانظمة متطورة تمكن الاجهزة المختصة من ملاحقة وردع المتهورين . في الدول الاسكندنافية ، وتحديداً في السويد ، وضع البرلمان خطة للوصول الى نسبة وفيات ( صفر ) ، ونجحوا أيما نجاح ، حيث وصلوا الى ( ٢ ) وفاتين لكل ( ١٠٠,٠٠٠ ) نسمة . أما السعودية فقد أنشأت تطبيقات للابلاغ عن الحُفر ومعيقات السير في الشوارع ، وقد تم تحقيق نجاحات ملحوظة بهذا الجانب . أما نحن فان رداءة شوارعنا ، وافتقارها للوحات الارشادية المناسبة ، تتطلب منا تركيزاً أكثر على عناصر الطريق .

يا سادة يا كرام ، نحن نخوض حرباً ضروساً . أليس من المنطق والعقل ان نسأل انفسنا ، كم فقدنا من الأحبة !؟ وكم فقدنا من عائلات بأكملها !؟ لأسباب انفعالية ، أنانية ، آنية ، سطحية ، واهية ، وغير واعية ، كان يمكن تجنبها وتجنب الكوارث الناتجة عنها لو تفكرنا ، وتأنينا لثوانٍ محدودة . ألا تستحق منا المحافظة على حياتنا وحياة الآخرين التأني والتعقل ، وتجنب الانشغال بما يشتت الذهن ويُذهب التركيز في عناصر الطريق لتفادي كوارث حقيقية تأخذ ارواحاً بريئة غالية أثناء قيادة هذه السيارة التي نحولها بعنادنا وجهلنا ورعونتنا الى قنبلة منزوعة الامان تجوب شوارعنا !؟ قبل بضع سنوات ، أدى تزاحم ورعونة وطيش بين سائقين ان أطلق أحدهما النار على الآخر فأرداه قتيلاً ، دون ان يترجلا من سيارتيهما .

لكم ان تتخيلوا ان عدد اصابات السير في الاردن وصلت الى ما يقارب ال (( ١٨,٠٠٠ )) إصابة سنوياً و (( ٦٥٠ )) وفاة . لماذا نحن هكذا !؟ لماذا لا نعكس تسامحنا الذي يصل الى حد التنازل عن الحقوق حتى في جرائم القتل عند قيادتنا السيارة !؟

بإختصار ، السياقة في الاردن تكتنفها الجلافة ، والخشونة ، وتنقصها اللباقة والحصافة ، وفي أحايين كثيرة يغيب فيها العقل ، وتسيِّرها الرعونة . وأجد ان افضل تعبير وخشية من حالة الفوضى المرورية ، ابيات للشاعر / هاشم سلامة ، تحت عنوان ( نداء الأطفال للسواقين ) : —
يا سائقون تمهلوا / حيث التأني أنفعُ.
إن القيادة شأنها / خُلْقٌ وذوقٌ أرفعُ .
فالمركبات الصم لا / ليست ترى او تسمعُ .
فلترشدوا في سوقها / ولكم دعوها تخضعُ .
أبناؤنا غرسٌ لنا / لا تقلعوا ما نزرعُ
ما ذنب أمٍ أو أبٍ / بوليده .. يتفجعُ
أطفالكم يرجونكم / لبيوتكم ان ترجعوا
لا تسرعوا لا تسرعوا / فالموت منكم أسرعُ .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

تنويه