منبر الكلمة

معلّمُ السّعادة: (2) معلّمُ الإيجابيّة

أ.د. وائل عبد الرحمن التل

وأقولُ أيضاً، تَحتفي كلُّ الأرض رسميّاً وشعبيّاً بالمعلّم في اليوم العالمي للمعلّم، لكنّ الطالب يحتفي بمعلّمه كلَّ يومٍ في مُستقبله إذا كان هذا المعلّمُ قد أسهمَ في تحقيقِ مستوياتٍ مرتفعةٍ من السّعادة لدى المتعلّمين بتأدية أدواره في التّعليم الإيجابي، هذا التعليم الذي يمزجُ بين الأكاديميّة والشّخصية لتعزيز جوانبه الستّة لدى المتعلّم: العلاقات الإيجابيّة، العواطف الإيجابيّة، الصّحة الإيجابيّة، المُشاركة الإيجابيّة، الإنجازات الإيجابيّة، الأهداف الإيجابيّة.

نشأ التّعليم الإيجابي في البداية كمفهوم عام 2008م، والذي ظهر في «علم النفس الإيجابي» على يد (مارتن سليجمان) من جامعة بنسلفانيا الأمريكيّة، واهتمّت به مدرسة (جيلونج الأكاديمية) بفيكتوريا بأستراليا، ثم تطوّر عام 2014م إلى نظريّة لها مؤشراتها باسم (الازدهار) وأُنشئ لتطبيقها معهد (جيلونج للتعليم الإيجابي)، ثمّ تطوّرت هذه النظرية ومؤشراتها عام 2016م إلى فلسفة على يد (فيليسيا هوبيرت)، وأصبحت مجموعاتٌ رائدةٌ في مجال التّعليم تعتمدُ هذه الفلسفة لتقديم خدمات تعليميّة من الطِراز العالمي تَمزجُ فيها بين الأكاديميّة والشّخصية، وتُرسي أُسساً مَتينة للقيم الإنسانية، وهي من القيم التي نَعتدُّ بها في ديننا الحَنيف، مثل: اللطف، والصّدق، والمحبّة، والتّسامح، والتّواضع، والشّجاعة، والسّلام، وقد صارَ هذا التّعليم الآن توجّهاً عالمياً.

أمّا أدوار المعلّم في تعزيز الجوانب الستّة للتّعليم الإيجابي لدى المتعلّم فَنَتبيَّنُها في الأدب التربوي العالمي في التّعليم الإيجابي، وهي: (المُحسِّن) يحسّنُ الصّحةَ النّفسيةَ للمتعلّمين بتخفيض عوارضَ الاكتئاب والتّوتر لديهم، وبالقضاء على كافة مشاعرهم السّلبية، ويحسّنُ مستويات تحصيلهم الدّراسي نحو مستوياتٍ عاليةٍ من النّجاح. (المُحقِّق للرّفاه) يُحقّقُ الرّفاهَ للمتعلّمين، ويُتابعُ تحققَ مؤشّرات هذا الرّفاه فيهم، وهذه المؤشّرات هي: الرّضا والسّعادة، والعواطف التي تبني قاعدةً صلبةً من العلاقات الطيّبة بينهم لتدوم لفترات طويلة جداً، والمُشاركة في أنشطة التعلّم والتّعليم وتقديم المُقترحات، واستكشاف المَعنى والهَدف في حياتهم، والمُرونة المضّطردة لتحقيق قُدرة أكبر على التكيّف مع المُنبّهات البيئيّة مثل الاختبارات والتفكير المَرن والثّقة. (المُنقِّب) يُعلّمُ المتعلّمينَ مهارات الحياة، ويصقلُ مواهبَهم الفكريّة، باستكشاف واستخدام نقاط القُوة والمُثابرة لديهم، والتّعبير عن امتنانهم لتحقّق الرفاه. (المُوطِّد) يُوطّدُ العلاقات الاجتماعيّة الإيجابيّة فيما بين المتعلّمين أنفسهم، وهم مع غيرهم من مكونات المدرسة والمجتمع. (المُساعِد) يُساعدُ المتعلّمين على الانتقال بمعاييرٍ وقِيمٍ إلى المرحلة الدراسيّة اللاحقة. (المُعزِّز) يُعزّزُ أخلاقيات المدرسة وثقافتها. (الدّاعِم) يَدعمُ المتعلّمين لاستيعاب تعقيدات الجيل التّالي من العِلم والحَياة.

أخيراً: المعلّمُ بتأدية أدواره في التّعليم الإيجابي لإيجاد جيلٍ سعيد مُنتِج وذي خُلُق هو معلّمٌ للسّعادة، وهو ما أشار إليه التقرير العالمي لسياسات السّعادة لعام 2018م. والسّلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى