تكنولوجيا

صورتك ليست مجرد صورة… الوجه أصبح سلاحًا في عصر الذكاء الاصطناعي

مجد درويش
خبير أمن سيبراني
انتشر خلال الأيام الماضية ترند واسع على شبكات التواصل الاجتماعي: صورة الطفولة إلى جانب صورة حديثة، مدمجة بالذكاء الاصطناعي. للوهلة الأولى المشهد عاطفي، يحمل ذكريات دافئة، لكنه يخفي خلفه خطرًا حقيقيًا يهدد كل فرد يشارك صوره دون وعي: الوجه لم يعد مجرد صورة، بل مفتاح رقمي لهويتك وحياتك الرقمية.
الوجه = كلمة السر الجديدة
في السابق كان الوجه مظهرًا عاديًا في الصور العائلية. اليوم أصبح وسيلة تحقق معتمدة في الهواتف الذكية، الحسابات البنكية، وحتى المطارات. رفع صورتين بفارق زمني يمنح خوارزميات الذكاء الاصطناعي القدرة على بناء نموذج دقيق لهويتك عبر مراحل العمر، ما يعني أن صورتك قد تلاحقك طوال حياتك.
أدلة ودراسات تؤكد الخطر
•تقرير وزارة الأمن الداخلي الأمريكية (DHS 2024): كشف أن تقنيات التزييف العميق (Deepfake) تُستخدم بشكل متزايد في انتحال الهوية وعمليات الاحتيال المالي، ما يجعل الصور المنشورة على الإنترنت مادة أولية مثالية للمجرمين 【dhs.gov】.
•دراسة من جامعة شيكاغو (2021) حول أداة Fawkes: أثبتت أن تعديل الصور بطريقة خاصة يقلل من قدرة أنظمة التعرف على الوجه بنسبة تفوق 95%، ما يبرهن أن الوجه هو بيانات بيومترية حساسة وليست صورة عادية 【arxiv.org】.
•تقرير في Harvard Gazette (2023): أشار إلى أن شركة Clearview AI جمعت مليارات الصور من وسائل التواصل دون إذن لبناء قاعدة بيانات تُستخدم في التعرف على الأشخاص حول العالم 【harvard.edu】.
•المفوضية الأوروبية (2025): تعمل على قوانين جديدة تُلزم المنصات الرقمية بوسم محتوى الـ Deepfake وحماية المستخدمين من استغلال صورهم دون موافقة 【weforum.org】.
هذه الدراسات والتقارير تثبت أن الصور المنشورة اليوم ليست بريئة، بل قد تتحول غدًا إلى أدوات ابتزاز، أو وسائل للتلاعب بالهوية الرقمية.
سيناريوهات حقيقية
•احتيال مالي: موظف في شركة عالمية تلقى مكالمة من مديره عبر فيديو مزيف بالذكاء الاصطناعي، وتم تحويل ملايين الدولارات بناءً على هذا الخداع.
•تشويه السمعة: صور شخصية اُستخدمت لإنشاء فيديوهات مزيفة تُظهر أشخاصًا في مواقف لم تحدث أبدًا، ما تسبب في أزمات اجتماعية وقانونية.
•تتبع الأفراد: ربط صور من فيسبوك وإنستغرام مع كاميرات المراقبة، ما سمح للشركات والأجهزة الأمنية بتحديد تحركات الأشخاص بدقة.
كيف تحمي نفسك؟
1.لا ترفع صورك عالية الدقة على تطبيقات أو منصات مجهولة.
2.استخدم صور رمزية (Avatars) أو معدّلة بدلًا من صورك الأصلية.
3.طبّق تقنيات حماية مثل Fawkes التي تُربك الخوارزميات.
4.فعّل إعدادات الخصوصية في حساباتك الاجتماعية، وحصر المشاهدة بالأصدقاء فقط.
5.ضع علامة مائية (Watermark) على صورك العامة.
6.اطلب رسميًا من المنصات حذف بياناتك إذا استشعرت خطرًا أو وجدت إساءة استخدام.
البُعد القانوني
•الاتحاد الأوروبي (GDPR) يفرض الحصول على موافقة صريحة قبل استخدام بيانات الوجه، مع حق المستخدم في طلب الحذف.
•ولاية إلينوي الأمريكية لديها قانون (BIPA) يحظر جمع البيانات البيومترية دون إذن مسبق.
•في المقابل، معظم الدول العربية تفتقر لقوانين واضحة لحماية الهوية الرقمية، ما يجعل الوعي الشخصي خط الدفاع الأول.
الخلاصة
كمختص في الأمن السيبراني، أؤكد أن الوجه لم يعد رمزًا بريئًا، بل هوية رقمية يجب حمايتها مثل كلمة السر أو الحساب البنكي.
مشاركة صورتك اليوم قد تتحول غدًا إلى سلاح رقمي يُستخدم ضدك في التتبع، الانتحال، أو الابتزاز.
الحل يبدأ بالوعي، والوعي يبدأ بك.
وجهك مفتاحك… لا تمنحه مجانًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى