
الدكتورة المحامية ثروت الحلواني
مع نهاية كل عام، لا يكون السؤال الأهم عمّا أُنجز، بل عمّا مرّ دون مساءلة. فالعام المنصرم لم يكن اختبارًا لنصوص القوانين بقدر ما كان اختبارًا للضمير الإنساني؛ ذلك العنصر الذي يفترض أن يمنح القانون روحه، ويمنع العدالة من التحول إلى إجراءٍ بارد خالٍ من الإحساس بالمسؤولية.
غالبًا ما يُنظر إلى القانون بوصفه الضامن الأسمى للحقوق، غير أن الواقع يثبت أن النص، مهما بلغت دقته، لا يصنع عدالة ما لم يُطبّق بروح إنسانية. فالقوانين ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لحماية الإنسان، وحين تُفرغ من مقاصدها الأخلاقية، تتحول إلى أدوات شكلية قد تبرر الظلم بدل أن تردعه.
شهدنا خلال هذا العام قرارات وإجراءات استوفت شروطها القانونية، لكنها خلّفت آثارًا قاسية على الأفراد والمجتمع. في مثل هذه الحالات، لا يكمن الخلل في النص ذاته، بل في طريقة فهمه وتطبيقه، وفي غياب الشجاعة الأخلاقية لدى من يملكون سلطة القرار.
القانون وُضع ليكون ميزانًا للعدل، لا غطاءً للقسوة، وحماية للضعيف لا امتيازًا للأقوى. وعندما يُفصل النص عن مقصده، تصبح العدالة مسألة تقدير شخصي لا حقًا ثابتًا، ويتحول الالتزام الحرفي بالقانون إلى مبرر لتجاهل جوهره.
الأخطر من انتهاك القانون هو تطبيع الظلم تحت مظلته؛ أن يصبح الصمت مريحًا لأن “الإجراء قانوني”، وأن تُغلق الملفات دون الالتفات إلى آثارها الإنسانية. فالصمت في هذه الحالة لا يمثل حيادًا، بل مشاركة غير مباشرة في إدامة الخلل.
ومع نهاية هذا العام، تبدو الحاجة ملحّة إلى مراجعة أعمق من مجرد تقييم تشريعي. نحن بحاجة إلى استعادة الضمير بوصفه عنصرًا أصيلًا في تحقيق العدالة. فالقانون بلا ضمير قد ينظم المجتمع، لكنه لا يحمي إنسانيته.
وحين لا يكفي القانون وحده لإنصاف الناس، يصبح الضمير هو الامتحان الحقيقي لكل من يملك سلطة القرار.








