منبر الكلمةاخر الاخبار

تعديل حكومي واسع… لماذا الآن؟ وما الرسائل خلفه؟

 

د.خلدون نصير

الناشر والمدير العام

اَفاق نيوز – في سابقة لجهة الشفافية وكشف المستور، أعلن مكتب رئيس الوزراء جعفر حسان قراراً بإجراء أول تعديل وزاري على حكومته – منذ تشكيلها قبل 11 شهرا – غدا الأربعاء وذلك بعد أسابيع من الترقب الشعبي وسط مروحة من التكهنات.

بخلاف محطات التغيير الحكومي السابقة، يبدو أن الرئيس ارتأى إبلاغ الناس “رسميا” غداة إجراء ما وصفه بالتعديل “الواسع” سيطال قرابة ثلث الحقائب الوزارية ونصف فريق التحديث.

هذا الإعلان – عبر وكالة الأنباء الأردنية (بترا) – لا يبدو مجرد خطوة إدارية عادية، بل يحمل في توقيته ومضمونه رسائل سياسية وإدارية واضحة، تتصل بالمرحلة المقبلة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

من التأسيس إلى التنفيذ

حكومة جعفر حسان وُلدت بالتزامن مع تكثيف “رؤية التحديث الاقتصادي” توازيا مع تطوير الحياة السياسية/ الحزبية وتثوير الإدارة، ورافق تشكيلها وعد بتطبيق خطة مدروسة على مراحل، تبدأ بالتأسيس وتنتهي بالتنفيذ الفعلي.

ومع نهاية عامها الأول، يبدو أن الحكومة قررت الانتقال إلى المرحلة الثانية: البرنامج التنفيذي الثاني للرؤية الاقتصادية 2026–2029.

هذا التحول يتطلب فريقًا يملك الأدوات، السرعة، الانضباط والتفرغ الكامل للإنجاز بعيدًا عن الحسابات السياسية أو المجاملات التقليدية في صرف لقب “معالي” ، هنا تحديدًا تبرز الحاجة إلى تعديل وزاري واسع يعيد تشكيل الفريق التنفيذي بما يتماشى مع متطلبات المرحلة.

التعديل لا يُجامل

ما تسرّب من أسماء مرشحة للمغادرة يؤكد أن التعديل هذه المرة ليس “تزيينيًا” أو لملء الفراغ، بل استند إلى تقييم أداء حقيقي وقياس أثر خلال الشهور الماضية  إذ تؤشر عيون الإعلام والهيئات الرقابية إلى وزارات لم تكن على مستوى الطموح في ملفات حيوية؛ مثل الصحة، التربية، الشباب، النقل، الاستثمار والثقافة، بعض الوزراء ظهروا بضعف الأداء، والبعض الآخر غاب عن المشهد تمامًا، فيما أظهر آخرون تخبطًا في القرارات أو ضعفًا في التواصل مع الجمهور.

في المقابل، تشير مصادر إلى أن التعديل قد يشمل دمجًا لبعض الحقائب التي تعاني تداخلاً أو ترهلاً وظيفيًا، مثل تطوير القطاع العام مع الاقتصاد الرقمي، في خطوة يبدو أنها تستهدف تقليص النفقات ورفع الكفاءة في آن واحد .

لماذا الآن؟

التوقيت يحمل دلالة سياسية لا تقل أهمية عن مضمون التعديل، فالشارع الأردني يعيش في الأشهر الأخيرة حالة من الترقب الممزوج بالتعب؛ تعب من الشعارات، وتَرقُّب لأي تغيير ملموس يُحدث فرقًا في حياة المواطن اليومية، وعليه، فإن إجراء تعديل وزاري بهذا الحجم قبل إطلاق البرنامج التنفيذي الثاني قد يكون محاولة لإعادة ضبط الإيقاع العام وإعطاء دفعة جديدة للحكومة داخليًا وخارجيًا؛ مفادها أن هناك نية حقيقية للإصلاح لا المجاملة.

كما أن التعديل يأتي في لحظة هدوء نسبي سياسياً، في غياب ضغوط برلمانية أو احتجاجات في الشارع، ما يمنح الرئيس حسان مساحة أكبر لاختيار فريقه بناءً على الكفاءة لا الترضيات.

الشارع يراقب… ولكن بلا أمل كبير

اللافت في هذا التعديل أن الشارع الأردني لم يعد يتعامل معه كما في السابق، لم يعد التغيير في الأسماء الوزارية يُثير نقاشًا واسعًا كما كان يحدث سابقًا، هناك فتور واضح في التفاعل، وربما فقدان للأمل بأن التعديل سيقود إلى إصلاح حقيقي أو إلى حلول لأزمات مزمنة كالبطالة وارتفاع الأسعار.

هذا الانفصال بين الشارع والسلطة التنفيذية يُشكل تحديًا حقيقيًا أمام الحكومة الجديدة بعد التعديل، فنجاحها لن يُقاس بكثرة المشاريع المعلنة بل بقدرتها على إقناع الناس بأن هناك تغييرًا فعليًا على الأرض.

هل يكون التعديل بداية استعادة الثقة؟

التعديل الوزاري المرتقب هو اختبار جديد لحكومة الدكتور جعفر حسان ومنظومة الحوكمة، اختبارا ليس في عدد الوزراء المغادرين أو القادمين، بل في الرسالة التي سيحملها التغيير: هل نحن أمام تعديل إداري في الشكل؟ أم نحن بصدد إعادة إنتاج مشروع سياسي-اقتصادي يعيد بناء جسور الثقة مع الناس؟

الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن أي فرصة للتجديد الجاد لا تحتمل مزيدًا من التردد أو تدوير الوجوه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى