منبر الكلمة

انهيار المنظومة القيمية الكونية مفتاح لمحاسبة الأمم المتحدة

عمار خماش
هل هناك فرصة لـ”عصيان دولي” على الأمم المتحدة كونها لم تكن منصفة أو عادلة بل سياسية منذ البداية وبذلك كانت غطاءً لتنفيذ التجربة الصهيونية على أرض الفلسطينيين؟
البداية المعيبة:
قرار التقسيم 1947
منذ اللحظة الأولى لميلادها، كانت الأمم المتحدة منحازة ضد العدالة في فلسطين. قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 لم يكن قراراً عادلاً بل كان غطاءً “قانونياً” لمشروع استعماري.
السياق التاريخي: جاء القرار بعد سنتين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية والكشف عن جرائم هتلر النازية ضد اليهود. استغلت الحركة الصهيونية هذه المأساة الإنسانية لتبرير إقامة دولة على أرض شعب آخر.
المشكلة الأساسية:
القرار قارن بين اليهودية (هوية دينية) والعروبة (هوية إثنية)، متجاهلاً أن سكان فلسطين الأصليين – مسلمين ومسيحيين ويهود – كانوا جميعاً من نفس الجذور الكنعانية والعربية.
المفارقة المأساوية:
شعب عانى من الاضطهاد النازي أصبح يمارس اضطهاداً مماثلاً ضد الفلسطينيين – من تهجير قسري، وإبادة، وحصار، واعتقال جماعي، وتدمير منهجي للمدن.
النتيجة:
منح أشخاص من خلفيات إثنية مختلفة (يهود أوروبيين) حقوقاً على أرض شعب آخر، وتحويل 750 ألف فلسطيني إلى لاجئين في أرضهم.
سجل الفيتو الأمريكي:
الأرقام تتحدث
• 53 قراراً على الأقل ضد إسرائيل تم إسقاطه بالفيتو الأمريكي منذ 1972
• 19 فيتو على القضية الفلسطينية وحدها
• من أصل 14 فيتو أمريكي منذ 2020، كان 12 منها لحماية إسرائيل
هذا السجل يكشف أن الأمم المتحدة ليست منظمة عدالة دولية، بل أداة لحماية مصالح القوى العظمى حتى لو كانت على حساب العدالة والقانون الدولي.
الفجوة بين الشعوب والحكومات
إرادة الشعوب واضحة:
• استطلاعات الرأي تظهر رفضاً عالمياً للعدوان الإسرائيلي
• مظاهرات مليونية في العواصم العالمية
• حركة المقاطعة (BDS) تنتشر عالمياً
• تضامن شعبي واسع مع فلسطين
لكن الحكومات تتجاهل شعوبها لأسباب:
• الهيمنة الاقتصادية الأمريكية (الدولار، النظام المصرفي)
• التهديد العسكري والقواعد الأمريكية في 80+ دولة
• تبعية النخب الحاكمة ومصالحها الشخصية
• ضعف التنسيق بين الدول العربية والإسلامية
بوادر التغيير:
فرنسا تقود أوروبا؟
ألمانيا المشلولة تاريخياً: بعد مأساة هتلر والنازية، تبقى ألمانيا حذرة من لعب دور قيادي قوي في أوروبا، خاصة في القضايا التي تتعلق بإسرائيل. هذا “الشلل التاريخي” يترك المجال مفتوحاً أمام فرنسا لتولي زمام القيادة الأوروبية.
المؤشرات الإيجابية:
• فرنسا ستصبح أول دولة من مجموعة السبع تعترف بفلسطين
• 10 دول أوروبية اعترفت بالفعل بالدولة الفلسطينية
• تراجع الشعبية الأمريكية في أوروبا بسبب دعم إسرائيل
• ألمانيا مشلولة تاريخياً، تاركة المجال لفرنسا لقيادة أوروبا
التحرر من عقدة الذنب: أوروبا تدرك تدريجياً أن دفع ثمن جرائم هتلر لا يجب أن يكون على حساب الشعب الفلسطيني. الذنب الأوروبي من الهولوكوست لا يبرر السكوت عن هولوكوست غزة.
العصيان الدولي: خيارات متاحة
1. الانسحاب من الأمم المتحدة
السوابق التاريخية: إندونيسيا انسحبت مؤقتاً 1965-1966
المخاطر: فقدان المنبر الدولي، العقوبات الاقتصادية
الفوائد: إرسال رسالة قوية، عدم التواطؤ في الظلم
2. المقاطعة الجزئية
• تعليق المساهمات المالية
• مقاطعة جلسات مجلس الأمن
• رفض تنفيذ القرارات المنحازة
3. بناء البدائل
• تعزيز المنظمات الإقليمية (الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي)
• إنشاء منظمات دولية بديلة أكثر عدالة
• تفعيل “محكمة العدل الدولية” كبديل
لماذا لم يحدث العصيان بعد؟
الخلاصة: هل وقت العصيان قد حان؟
بعد 77 عاماً من الظلم المنهجي، وفي ظل ما يحدث في غزة من إبادة جماعية أمام العالم، أصبح واضحاً أن الأمم المتحدة ليست أداة عدالة بل أداة لحماية الظلم.
العدالة لا تأتي من منظمة أمضت كل ماضيها كغطاء تحمي الإجرام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى