الرؤية المستقبلية للدولة الأردنية
نحو إدارة فاعلة واقتصاد منتج يعيدان الثقة بين المواطن والدولة

عدنان نصّار
يشهد الأردن مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، تتقاطع فيها التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع طموحات الإصلاح والتحديث..ففي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط المعيشية على المواطن، يبرز سؤال جوهري يتردد في الشارع الأردني: كيف يمكن للدولة أن تتحول من إدارة الأزمات إلى إدارة المستقبل؟
الحقيقة أن الأردن يمتلك رصيدًا كبيرًا من الاستقرار السياسي والخبرة المؤسسية، لكنه ما يزال يواجه عوائق هيكلية في قدرته على تحويل الرؤى والخطط إلى واقع ملموس. فالاستراتيجيات تُطرح بانتظام، لكن أثرها الميداني يظل محدودًا، والسبب لا يكمن في نقص الأفكار بقدر ما يكمن في ضعف الإدارة، وغياب المتابعة الجادة، وتفشي ثقافة الوظيفة لا ثقافة الإنجاز.
لقد أطلقت الدولة مسارات واضحة للتحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وأعلنت نيتها إحداث نقلة نوعية في بنية الدولة الحديثة. غير أن الرؤية – مهما كانت طموحة – تفقد معناها إن بقي التنفيذ أسير البيروقراطية والمحسوبية والمناصب التي تُمنح على أساس الولاء لا الكفاءة. فما زالت بعض المؤسسات تعمل بعقلية تقليدية تفتقر إلى المرونة والابتكار، وتخشى التغيير أكثر مما تسعى إليه، مما يعيق التقدم ويستهلك الوقت والموارد.
الاقتصاد الأردني بدوره لا يمكن أن ينهض ما لم يُرفد بإدارة حقيقية للإنتاج والعمل، تُوجّه التعليم نحو المهارات، وتفتح المجال أمام الشباب للمبادرة، وتعيد النظر في سياسات التشغيل والاستثمار التي باتت رهينة للتعليمات المعقدة والقرارات البطيئة. فالتنمية لا تتحقق بالخطب ولا بالمؤتمرات، بل بقرارات تنفيذية واضحة، ومساءلة مستمرة، وإرادة تتجاوز الحسابات الضيقة.
كما أن الواقع الإداري يحتاج إلى مراجعة شاملة تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس من الخدمة لا السلطة. المواطن الأردني لم يعد ينتظر الوعود، بل يريد مؤسسات تعمل بجدية وكفاءة، وتعتمد على الشفافية والمحاسبة لا على التبرير والتسويف. وهذا يتطلب إعادة بناء العقل الإداري بما يتناسب مع متطلبات الدولة الحديثة التي تسعى لأن تكون منتجة وعادلة في آن واحد.
التحدي الأكبر اليوم ليس في رسم الخطط، بل في امتلاك الشجاعة لتصحيح المسار، ومواجهة الترهل الإداري الذي يُبدّد الجهود ويُضعف الثقة العامة. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من مؤسسات الدولة نفسها، ومن قدرتها على محاسبة المقصرين ومكافأة المجتهدين. وحين تصبح الكفاءة معيارًا لا شعارًا، تبدأ الدولة فعليًا بالتحرك نحو مستقبل مختلف.
إن إعادة بناء الإدارة العامة ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة وطنية لإنقاذ مسار التنمية والإصلاح. فحين تكون الإدارة شفافة ومنتجة ومسؤولة، يصبح الاقتصاد أكثر عدالة، والسياسة أكثر استقرارًا، والمجتمع أكثر ثقة بمؤسساته. إنها الخطوة الأولى نحو استعادة روح الدولة الأردنية كما أرادها المؤسسون: دولة قانون وعدالة وفرص متكافئة، لا دولة تبريرات وتأجيل.
المستقبل الأردني لن يُصنع بالنيات أو بالشعارات، بل بالعمل الجاد، وبناء المؤسسات القادرة، واستعادة روح المسؤولية الوطنية في كل موقع.. عندها فقط يمكن القول إن الرؤية المستقبلية للدولة الأردنية لم تعد فكرة على الورق، بل واقعًا يسير بخطى واثقة نحو غدٍ أكثر وضوحًا وكفاءة وعدلًا.







