منبر الكلمة

الجولة الآسيوية: كيف تعيد الأردن إلى قلب الاقتصاد العالمي؟

 

بقلم: د. خلدون نصير

في عالم يتغيّر بسرعة غير مسبوقة، وتتبدّل فيه مراكز القوى الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، جاءت الجولة الآسيوية لجلالة الملك عبدالله الثاني كخطوة استراتيجية تحمل أبعادًا اقتصادية عميقة تتجاوز البروتوكول والتمثيل الدبلوماسي.
هذه الجولة لم تأتِ في سياق العلاقات التقليدية، بل جاءت في لحظة يحتاج فيها الاقتصاد الأردني إلى أسواق جديدة، وشراكات متنوعة، وخيارات أوسع أمام القطاع الخاص.

لقد أثبتت التجارب أن الاعتماد على أسواق محدودة يضع أي اقتصاد تحت مخاطر تقلبات السياسة والتجارة، بينما يفتح تنويع الشركاء أبوابًا واسعة للنمو. وهنا تحديدًا تبرز أهمية التوجّه نحو آسيا؛ القارة التي أصبحت اليوم مركز الابتكار، والصناعة الثقيلة، والتكنولوجيا، والطاقة.

الدول التي شملتها الجولة — باكستان، إندونيسيا، وسنغافورة — ليست مجرد وجهات سياسية، بل هي أسواق هائلة يتجاوز عدد سكانها 380 مليون نسمة، وتتمتع بقوة استهلاكية وصناعية متنامية. هذه الأرقام وحدها تكفي لتوضيح حجم الفرص المتاحة أمام الصناعات الأردنية، وخاصة الأدوية، والمواد الغذائية، والمواد الكيميائية، والملابس، وهي قطاعات أثبتت قدرتها على المنافسة عالميًا.

إن بناء جسور تعاون مباشر مع هذه الاقتصادات ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية. فالشركات الأردنية تحتاج إلى الوصول لأسواق جديدة دون قيود، وتحتاج إلى شراكات تسهّل عليها الإجراءات وتزيل العوائق الفنية التي طالما أعاقت التوسّع الخارجي. وهنا يأتي دور الدولة في فتح الأبواب، ودور القطاع الخاص في استثمارها بذكاء.

الأردن يمتلك ميزة جغرافية وسياسية نادرة:
هو الأكثر استقرارًا في المنطقة، والأقرب إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والقادر على تقديم نموذج آمن وجاذب للمستثمرين. هذه الميزة يجب ألا تبقى وصفًا سياسيًا، بل يجب تحويلها إلى أداة اقتصادية فعّالة.

الجولة الملكية وضعت على الطاولة فرصاً جديدة في قطاعات حيوية:

الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر

الاقتصاد الرقمي

الأمن السيبراني والتكنولوجيا

السياحة العلاجية

الصناعات الغذائية

الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد

التعدين والمعادن ذات القيمة العالية

هذه القطاعات ليست مجرد محاور تعاون، بل هي مستقبل النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط والعالم. والتعاون مع دول تسبقنا بمراحل في التكنولوجيا والتشريعات والخبرة سيسهم في رفع مستوى التنافسية الوطنية بشكل مباشر.

كما أن انفتاح الأردن على شرق آسيا يعكس فهمًا عميقًا للتحولات العالمية، حيث تتراجع العولمة بشكلها التقليدي، وتظهر شبكات اقتصادية جديدة تقوم على التكامل الإقليمي والشراكات العميقة في التكنولوجيا والطاقة والصناعة.
ومن هنا، فإن تعزيز التعاون مع دول تمتلك نماذج متقدمة في الأمن السيبراني مثل اليابان وكوريا وسنغافورة، أو في الصناعات الثقيلة مثل باكستان وإندونيسيا، ليس خيارًا ثانويًا، بل خطوة محسوبة تمهّد لنقلة نوعية في الاقتصاد الوطني.

الجولة الآسيوية ليست حدثًا عابرًا، بل فرصة اقتصادية ناضجة يجب أن تُستثمر.
والأثر الحقيقي سيظهر عندما يترجم القطاع الخاص هذه الزيارات إلى اتفاقيات، وشراكات، ومصانع، وخطوط إنتاج جديدة، وأسواق تصديرية مستقرة.

باختصار، ما يحدث اليوم هو بداية إعادة تموضع للأردن على الخارطة الاقتصادية العالمية.
وإذا أحسنّا البناء على هذه الخطوة، فإن السنوات المقبلة قد تحمل تغييرات إيجابية كبيرة في حجم الصادرات، ونوعية الاستثمارات، ودور الأردن في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى