
عوض ضيف الله الملاحمة
الدول التي لديها إستراتيجيات بعيدة المدى ، تُقسِّمها الى سياسات ، والسياسات الى خطط . ولا يُكتفى بوضع خطة واحدة ، بل يتم إعداد عدة خطط بديلة ، فيكون هناك مثلاً : الخطة ( أ ) ، والخطة ( ب ) ، والخطة ( ج ) . وتكون هذه الخطط كخطط بديلة ، فإذا تعذر تنفيذ الخطة الأولى ، يتم الانتقال الى الخطة الثانية .. وهكذا . والسبب الرئيسي للجوء لهذه الألية هو الإصرار على السير في تنفيذ مراحل الإستراتيجية الكبرى دون توقف ، بسبب المتغيرات التي ينشأ عنها معيقات إستجدت بمرور الزمن .
عند الأجانب قول مشهور هو : ( There is always plan B) ، هم ليسوا مثلنا ، حيث لا يوجد لدينا خطة رئيسية ، فكيف يكون لدينا خطط بديلة ؟
الكيان الصهيوني قرر تهجير أهل غزة ، وجاء القرار كنتيجة لطوفان الأقصى الذي حدث بتاريخ ٢٠٢٣/١٠/٧ . وتأرجح تنفيذ هذا القرار كثيراً بين الإصرار ، وتعدد البدائل ، ووصوله احياناً لدرجة الخفوت حيث كنا نعتقد انه تم العدول عن فكرة التهجير تماماً .
وتُهنا ، بل تم تضليلنا ، وفقدنا التركيز من كثرة الطروحات الهادفة ( ظاهرياً ) لإيقاف حرب العدو على غزة ، وإعادة البناء ، وغرقنا في التفاصيل ، فبدأنا بحساب إفتراضي لكمية الطمم الناتج عن ركام المباني ، وكم يستغرق إزالة الطمم من وقت وجهد وكُلفة ، وأصبحنا نتنافس على من سيكون له نصيب الأسد من إعادة إعمار غزة .
ونسينا ، او جهلنا ، او تجاهلنا ان لدى العدو عدة بدائل لتنفيذ قراره بتهجير أبناء غزة . ولتأكيد ذلك أنقل للقراء الكرام النص الحرفي للقاء تلفزيوني مع الرئيس الأمريكي/ دونالد ترامب :— [[ الصحفي يسأل الرئيس ترامب : كم عدد الأشخاص الذين تود تهجيرهم من غزة ؟ ردّ الرئيس/ ترامب : جميعهم ، أعني نحن نتحدث عن ربما ( ١,٧٠٠,٠٠٠ — ١,٨٠٠,٠٠٠ ) شخص ، لكن اعتقد كلهم ) . ويتضمن الفيديو تعليقاً مفاده انه : خدع العرب ، وأوهمهم بصفقة سلام ، بينما يدير نتنياهو وشريكه الرئيس ترامب الخطة الأخطر على غزة . تفاصيل مثيرة كشفتها صحيفة ( هاآرتس الإسرائيلية) : حيث كشفت ان هناك رحلات سرية ، تحت جنح الظلام ، تنقل آلاف الغزيين نحو وجهات مجهولة ، بهدف تفريغ القطاع من سكانه ، طائرات لا تحمل شعارات ، تقلع من مطار رامون الإسرائيلي كل ( ٤٨ ) ساعة ، مقابل ( ٢,٠٠٠ ) دولار عن كل راكب . يتم التواصل مع الغزيين عبر رقم واتساب إسرائيلي ، او عبر مندوبين في غزة ، يحصلون على أموال طائلة ، مقابل هجرة كل شخص ، تُنقل المجموعات عبر معبر كرم أبو سالم ، ثم الى مطار رامون الإسرائيلي ، ومنه الى دول مثل : كينيا ، وإندونيسيا ، وماليزيا ، وجنوب افريقيا ، والى أي دولة تقبل دخولهم دون تأشيرة . وفي لقاء مع أحد أبناء غزة المُهجرين قال : جايين من غزة ، هاربين من الموت على جنوب افريقيا . وأعلنت حكومة جنوب افريقيا قلقاً بالغاً ، بعد وصول ( ١٥٣ ) فلسطينياً ، في رحلة وصفتها سلطات افريقيا الجنوبية بالغريبة . وصرح / سيريل رامافوزا ، رئيس جنوب أفريقيا وقال : بأنه بالأمس هبطت لدينا طائرة تحمل ( ١٦٠ ) فلسطينياً ، هبطت في ( تيبو ) ، وهؤلاء الأشخاص من غزة ، تم وضعهم بطريقة غامضة ، على طائرة مرت عبر نيروبي ، وجاءت الى هنا . المفاجأة ان من يدير العملية شركة وهمية إسمها ( المجد ) ، تدعي انها منظمة إنسانية إسلامية ، تساعد الغزيين على ( الخروج الطوعي ) . وشركة المجد هذه ، لا وجود قانوني لها ، وتم إنشاء موقعها في شهر / فبراير الماضي ، وتم ملء الموقع بصور مولدة بالذكاء الاصطناعي ، وعناوين وهمية . لكن الأخطر ان الذي يديرها شخص إسرائيلي ، يتلقى قوائم الأسماء من وزارة الدفاع الإسرائيلية ، وإسم الشخص الذي يدير الشركة هو : ( تومر جانار ليند ) ، وعندما تم الإتصال به ، لم يُنكر دوره ، لكنه إكتفى بالقول : (( لا أرغب في التعليق في هذه المرحلة ، ربما لاحقاً )) . وقال نتنياهو : ( يجب ان تحدد الوجهة ، حتى يتمكنوا من إعادة التوطين في مكانٍ ما ، وأضاف : أعتقد ان هذه هي القضية الحقيقية المتعلقة بهذا الموضوع ، أنت تقدم لهم خيراً ، بمجرد ان تقدم لهم الخيار سيغادرون . وأضاف الرئيس الأمريكي ترامب : أعتقد انهم سيعاد توطينهم في مناطق حيث يمكنهم العيش حياة جميلة ، دون القلق من الموت كل يوم . عشرات الشهداء يسقطون يومياً برصاص العدو ، وأطنان المساعدات محشورة على المعابر ، في محاولة مدروسة لتحويل حياة الغزيين الى جحيم لا يطاق . ما عجز نتنياهو عن تحقيقة طوال عامين من القصف والحصار ، قدّمه له ترامب على طبق من ذهب ]]. إنتهى الإقتباس من الفيديو .
القراء الكرام ، أرجوا ان تلاحظوا معي كيف يديرون شؤونهم ، وينفذون إستراتيجياتهم عن طريق وضع العديد من الخطط ، والخطط البديلة ، ويسرحون بنا ، ويوهموننا بأنهم يودون السعي للسلام ، ونحن نصدقهم ، ونصدقهم القول ، وننتظر القادم من الباب ، بينما هم يخرجون من عدة شبابيك ومنافذ لا حصر لها . هذا هو الفارق بين التحجر ، والتدبر ، والمرونة ، وإجتراح الحلول وفق المعطيات القابلة للتنفيذ والتطبيق .
عندما يكون عدوك محترف في وضع الخطط والخطط البديلة وعند التنفيذ يتصف بالذكاء والدهاء ، وإحتراف الخداع عليك ان تحذر ، والا وصلت الى حالة من الضياع . هذا هو وضعنا مع الصهاينة كما لعبة القط والفأر ، عندما يرى القط فأراً يدخل جحراً ، يتسمر القط عند باب الجحر لساعات منتظراً الظفر بصيد الفأر ، والفأر يسرح ويمرح ، ويخرج خارج الجحر ويتغذى ثم يعود الى جحره من منافذ عديدة يجهلها القط ، ويكمن في جحره ( يتفلى ) والقط خارج الجحر ( يتقلى ) .
كل المعطيات تشير الى ان التهجير هو المصير المحتوم لأبناء غزة ، على ما يبدو . ونحن نتغنى بالثبات ، والصمود ، ونسينا دهاء عدونا وإحترافه في إجتراح الحلول لتنفيذ مخططاته .
لنتقي شرور العدو علينا ان نفكر بعقول الصهاينة وليس بعقولنا . لأنهم يفكرون بخبث ، ومكر ، ودهاء ، ونحن نفكر بسذاجة ، وسطحية ، وغباء .








