اخر الاخبارعربي و دولي

«إسرائيل» ليست استثناءً في شرها

 

بالنظر إلى كمّ الإرهاب الإسرائيلي الجاري حاليًا في غزة والضفة الغربية ولبنان وما ورائهما، يسهل الاعتقاد أن «أولئك هم أسوأ العالمين». ولكن في الواقع، ما تقوم به «إسرائيل» من أفعال مريعة إنما تعلّمته من القوى الاستعمارية التي أتت قبلها وما زالت تساندها.

من الصعب تصور المستوى المتدني من الإنسانية الذي يبيح للفرنسيين استخدام هذه الصور لمغاربة قطعت رؤوسهم كطابع بريدي. إذ كيف يمكن تطبيع الوحشية في الثقافة الأوروبية، وكيف يمكن تخيّل أن تعطي طفلك طابعًا كهذا ليلعقه.

ما تفعله «إسرائيل» اليوم مع العرب فعلته من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا ومن قبلهم إسبانيا والبرتغال وهولندا مع الشعوب الأصلانية. وفعلته كذلك دول غير أوروبية مثل اليابان. قد تكون «إسرائيل» هي الوحش رقم واحد في عام 2025، لكنها جزء من إرث عريق، وما زال أسلافها في الإرهاب يساعدونها على تنفيذ عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية الحالية.

قتلت فرنسا ما بين 400 ألف إلى مليون جزائري، اعتمادًا على من تصدق؛ فرنسا أم الجزائريين. استعمرت فرنسا جزءًا كبيرًا من إفريقيا، بما فيها 18 دولة إفريقية حديثة، وما زالت تسيطر عليها اقتصاديا وتستغلها وتفقرها حتى الآن. ناهيك عن سيطرتها ونهبها جزرًا في الكاريبي مثل هاييتي، ومناطق في جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وكمبوديا، حيث لم تتوقف إلّا بعد طردها من البلاد بعد حرب دامية.

قتلت بلجيكا حوالي نصف السكان في الكونغو، أي ما يقدر بحوالي 10-15 مليون نسمة، أثناء حكم الملك ليوبولد. وتستمر مثل هذه الجرائم من أجل الحصول على ثروات الكونغو إلى يومنا هذا، إذ تقوم بهذه الأعمال ميليشيات مأجورة لشركات التعدين والمناجم الغربية.

وقد تفوقت الإمبراطورية البريطانية بمراحل على فرنسا في المال الممزوج بالدم. يعتقد المؤرخون بأن المجاعة الناجمة عن نهب البريطانيين لشبه القارة الهندية أودت بحياة 100 مليون إنسان ما بين عامي 1880 و1920. وقد استمرت هذه الوحشية مع سياسات ونستون تشرشل القاضية بانتزاع المحاصيل إلى خارج الهند في الأربعينيات، مما تسبب بموت وتجويع ما يقرب من ثلاثة ملايين هندي آخر. عدا عمّا فعلوه في إيرلندا.

قتلت ألمانيا في ظل النازية الملايين من البشر، بعد إبادة قبائل ناميبيا مطلع القرن العشرين، في حين قام حلفاؤهم اليابانيون في الحرب العالمية الثانية بقتل الملايين في الصين.

ولكن لا «إسرائيل» ولا الإمبراطوريات الأوروبية تتفوق على الولايات المتحدة في القتل. فمنذ اليوم الأول لوصولهم إلى أمريكا الشمالية، أبادوا السكان الأصليين، وقتلوا ملايين الأفارقة من خلال اقتصادات العبودية، حتى إنهم تعدوا ذلك إلى ذبح السكان الأصليين عبر أمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ من خلال الاجتياحات والدكتاتوريين العاملين بالوكالة.

تستمر المذابح ونزع الأنسنة عن أصحاب البشرة غير البيضاء إلى وقتنا الحالي. حيث يقدر أن الحرب الأمريكية على «الإرهاب» في القرن الحادي والعشرين قد أودت بحياة ما يربو على أربعة ملايين عربي وأفغاني وباكستاني، وأجبرت الملايين على أن يصبحوا لاجئين، وخلقت مجموعات مثل القاعدة وداعش اللتين ارتكبتا المذابح بحقّ الجماعات الدينية والعرقية الأخرى.

إذًا، كان هنالك دول مريعة قبل «إسرائيل». لكن الفرق يكمن في أن إمبراطوريات الشر السابقة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية حاولت القول إنها مجبرة على تلك المهام القذرة لأن من يحاربونهم همج ودون البشر. كان الادعاء هو أن هذه الإمبراطوريات تجلب الحضارة لشعوب متخلّفة، وهو ما يستدعي قتلها أحيانًا. إلا أن «إسرائيل» أحدثت قطيعة مع هذه السردية ولا تدعي القيام بأمور طيبة. نراهم يقذفون بجرائم حربهم في وجه العالم، ويبثونها حية على تيليغرام، متبجحين بها على وسائل الإعلام، إذ يبدو أن طموحهم أن يصبحوا أكثر شعب مكروه يُخشى جنابه في العالم.

لكن، لماذا يقوم أي شعب بنسف أسس منظومات معتقداته كافة ويطرح نفسه كوحش؟ إن التحول إلى وحش، هو للأسف، ليس إلا جزءًا من الوصف الوظيفي للكولونيالية.

كيف يخسر المستعمِرون إنسانيتهم؟

يبدأ انحدار المستعمِر نحو الشر بدافع من إخضاع الشعوب، واستغلال جهدهم وسلب أراضيهم. قد يُنظر إلى الغزو كدافعٍ طبيعي في عالمٍ تنافسيٍّ يعاني من ندرةٍ حقيقيةٍ أو مُتخيلة، لكن هذه روايةٌ أوروبيةٌ أمريكية، فقد ازدهرت أمم مثل الصين والهند ضمن حدودها لآلاف السنين من دون أن تنفلت في أرجاء العالم.

ولكن حين يقرر الناس أن يَحتلوا ويشرّدوا -أي أن يصبحوا مستعمِرين- تبدأ دوامة الانحدار.

قد يبدأ المستعمِرون بالحديث أولًا عن «جلب الحضارة» أو «الحداثة» للمتوحشين المتخلفين. ولكن عندما يقاوم الناس، وهم بالضرورة سيقاومون، فيجب التعامل معهم بعنف: قتلهم وسجنهم واستعبادهم أو طردهم. إلا أن أذية الناس العاديين تُصعّب على المرء التعايش مع نفسه، لذلك يتعلم المستعمِرون اعتبار الأصلانيين أشباه بشر وأشرارًا أو ناقصين بشكل من الأشكال.

ومتى أصبح الأصلانيون أشباه بشر رسميًا، يندفع المستعمرون للقيام بأمور أشد سوءًا بهم، مما يستدعي المزيد من نزع الإنسانية والشيطنة. وها نحن نشاهد اليوم إلى أين يفضي هذا الشيء في غزة.

من الواضح أن «إسرائيل» لا تكتفي بقتل الفلسطينيين وتشريدهم. بل لا بد من تعذيبهم وتجويعهم واغتصابهم والاستهزاء بهم وتدميرهم بالمزيد من الطرق المتخيلة. وأصبحنا نشاهد القادة الإسرائيليين اليوم يدعون الأطفال الفلسطينيين «إرهابيين»، بينما يقول المقربون من ترامب المحبون «لإسرائيل» إن الفلسطينيين «أشرار بطبيعتهم» و«لا يستحقون الرحمة».

نادي المستعمرين

يتساءل الناس كيف يمكن لدول أوروبا والعالم الناطق بالإنجليزية أن يمنح دعمه الجلي الكامل لدولة إبادة وعنصرية. بغض النظر عن دور «إسرائيل» الرئيس في الإمبراطورية المتمركزة في الولايات المتحدة، هنالك حقيقة سيكولوجية غاية في الأهمية هنا، إذ حين تصبح مستعمِرًا لا مجال للعودة إلى الوراء أبدًا، حيث إن القيام بهذا يعني إدانة تاريخك ومجتمعك بحد ذاته.

يحتاج المستعمِرون إلى سيطرة لا متناهية على السردية للحفاظ على صورتهم. فما زالت أمريكا وبعد انقضاء 100 عام على إبادة الأمريكيين الأصلانيين، تتماهى مع المستعمِرين  مثل «إسرائيل» وتدعم جرائمهم. وينطبق الأمر نفسه على ألمانيا وأستراليا والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرهم من المستعمِرين. فهو نادٍ يصعب الخروج منه، وأغلب ما يسمى «الغرب» هو جزء من هذا النادي.

يصعب التخلص من عادة تجريد الآخرين من الإنسانية، خصوصًا وأنت تكافئ عليها بثرواتهم المسلوبة، وهكذا يتم تطبيع نزع الأنسنة. ردّ الجنرال جورج باتون، الذي أدار معسكرات الناجين من المحرقة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على هجوم الليبراليين المنتقدين للظروف اللاإنسانية في المعسكرات، قائلًا: «إن أمثالهم يعتقدون أن المشرّد هو إنسان، ولكنه ليس كذلك، وهذا ينطبق خصيصًا على اليهود الذين هم دون الحيوانات». إن هذا الوحش العنصري اللاسامي تدرّج حتى أصبح جنرالًا كبيرًا في الجيش الأمريكي الذي يقدم دعمه الكامل اليوم «لإسرائيل».

يبدو أن أي جماعة تَستغِل وتؤذي جماعة أخرى تكره من تضطهدهم وتتماهى مع غيرها من المضطهِدين. ولا يبدو واضحًا لدي كيف ستنتهي هذه الدينامية يومًا.

لم تتوقف ألمانيا النازية إلا بعد أن دمر الجيش الأحمر دولتها. ما أخشاه هو استحالة الأمر حتى يفعل العالم بالولايات المتحدة و«إسرائيل» وغيرهم من المستعمِرين ما فعله الاتحاد السوفييتي بألمانيا.

لن تسقط «إسرائيل» إلى أن تسقط الولايات المتحدة والدول التابعة للمستعمِرين. ولا أدري كيف سيتم هذا، سوى أن غزة أيقظت مليارات البشر من الكابوس الاستعماري الذي عشنا فيه 500 عام. وقد يكون هذا أعظم تغيير اجتماعي في التاريخ الإنساني. أو قد تكون الحرب النووية نهاية العالم.

7iber

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى